العمل الخدمي: مفهوم يطلق على مؤسسات تسعى لتطوير سياسات العمل الاجتماعي بمجالاته المختلفة من منطلق المسؤولية الاجتماعية وذلك من خلال منظومة البناء الاجتماعي وأنساقه المرتبطة والمجالية تحكم مضامينها: الغرضية - والمنهجية - والطلاقة - والمرونة - والمصداقية - فضلاً عن الممارسات المسؤولة عن سد حاجات قاصديها في حدود المجال والتخصص.
ويقوم بهذه الممارسات جهاز يعتمد على خصائص العاملين به من حيث مستوى التعليم والمهارات والخبرات بما يمكنهم من أداء الواجب المنوط بهم القيام به وبما يؤهلهم لتحقيق أهداف المؤسسة العاملين بها - وبما يجعلهم شركاء في صنع الحضارة والتقدم في مجتمعهم.
وهذا الجهاز الوظيفي هم ممن اختصهم الله للقيام على خدمة الناس وقضاء حوائجهم، فطوبى لهم لأنهم من صناع الخير.
وما من نسق اجتماعي تنتظم فيه مؤسسات ذات طابع خدمي (حكومي أو مدني) أو ذو مناشط اقتصادية (تجارية أو صناعية أو مصرفية) أو خدمات ثقافية (تعليمية - أدبية - إعلامية) إلا ويشملها هذا المفهوم الخدمي الذي يهتم بالمسؤولية الاجتماعية تجاه من تعوزهم الخدمة من المواطنين.
وما من مؤسسة من هذه المؤسسات في بلدنا العزيز إلا وتعبر عن نوعية الحياة، وعن المضامين الاجتماعية والأشكال التي تحتويها.
ومن خلال الخبرة الاجتماعية والهوية الوطنية والممارسة العملية نقول: إنه من منظور الظواهر الاجتماعية، فإن علاقات التواصل (التفاعل) بين طرفي العلاقة (العاملين بالمؤسسة والمواطنون) تنهض على أسس أخلاقية محورها: القبول - والتفاعل - والرضا وركيزتها التغريد (كل حسب ظروفه ونوع ومستوى حاجته)، الإنسانية في التعامل (البشاشة والكلمة الطيبة واحترام طالب الخدمة، وقضاء حوائج الناس في صبر وأناة وحكمة وروية)، دون تحايل أو خروج عن النظام وذلك على كافة أصعدة التنظيم ومستوياته تحت شعار (ابتسم فأنا في خدمتك)، (مرحباً ماذا تريد)، (نعم سأعلم المسؤول، واسترح حتى يأتيك المطلوب)، وهناك تكون ردة فعل المتلقي (شكراً عزيزي - جزاك الله خيراً).
إذن فأداء الخدمة لا يكون بالصوت المرتفع أو الصياح (يا ولد) تعال (لا اذهب هناك) (لا اصعد الدرج) (لا انزل أسفل) (لا انتظم في السرا) (لا يا ولد اجلس على الطاولة)، إنها أنشودة يرفضها كل من يتعامل مع منظمة يتعامل معها المواطنون: في المرور، وفي المراكز الصحية، والمستشفى العام، ومراكز الخدمة ووحدات الضمان والنقل العام، حتى في المعارف والبريد والجوازات وخطوط الطيران، والمحاكم.. إلخ من وحدات خصصت لقضاء حوائج الناس وسد مطالبهم.
هؤلاء الآمرون الناهون يظنون أنهم في وادٍ غير وادينا، أو أنهم يديرون دنيا جديدة غير تلك التي نعيش فيها والتي مضينا فيها مسافة العمر ومساحة الزمن، فهي لم تستحدث لهم وحدهم بل أنشئت لخدمة المواطنين والوفاء بمطالبهم حسب وظيفة المؤسسة، وتوزيع الأدوار على العاملين فيها، حيث يقومون بمهام يتوجب أداؤها في تبسيط ويسر وليس بتحكم في الأداء أو بقيود في الإجراءات وليس بتعسف في أداء الدور. وإذا لم يكن كذلك لعزلت المؤسسة، وانقض عنها الكل، وفي هذه الحالة، إما اللجوء لغيرها أو الإحساس بالإكراه لتلقي الخدمة.
هذه بمثابة إعاقة اجتماعية، وانعزالية إنسانية لأنه إذا لم تتحقق الرحمة من قبل هذه المؤسسات لحدث خلط مفاهيمي واختلط الحابل بالنابل وتصلبت رؤى طالبي الخدمة عند سؤال: الخدمة لمن؟ هل هي لنفر منا؟ أم هي لمن يفوقنا مكانة؟ وإن كانت الخدمة للأول الذي هو منا فلم لا يكون اليسر في التناول لصالحه؟ وإن كانت الخدمة للثاني فأين بنود ثقافتنا؟ وما هي معطيات الواقع بحيث تكون الإجابة في وضعيته. ونتساءل أيضاً هل ثمة توازن بين نوع العمل ونمطية الأداء؟ وهل ثمة انسجام بين المؤدى والمتلقي للخدمة؟ وهل ثمة نمو متوافق في حجم الأداء وكيفيته، أم أنه تراجع وهبوط في معدل الأداء المقيس؟ وهل ثمة استسلام لهذا المنطق؟ أم هناك حفز لوجود جديد لآلية عمل جديدة تتفق مع المستحدث في التقنية وتكنولوجيا المعلومات والآلية الأدائية والاعتمادية الإنسانية المبدعة، فيتحول العاملون بالمؤسسات الخدمية إلى أنماط جديدة من العمل تختصر الجهد وتختزل الوقت، وتحدد المسؤولية الاجتماعية وتدعم حضارتنا الإنسانية وما تضمه من قيم وأخلاقيات تحصن بالمعاملة الطيبة والحسنة، ومن خلالها نقدر حقوق الناس فلا نغبطهم حقهم في التقدير والاحترام وفقاً لما تفرضه علينا ثقافتنا الإسلامية وكم هي مقننة اجتماعياً أو محددة ثقافياً ففيها منطق حسن المعاملة أخذاً وعطاء (تفاعل اجتماعي موجب) فإمكانية التواصل بين المؤدى والمتلقي بإيجابية وتفاعلية يجعل من المؤسسة الخدمية بيئة اتصال طبيعية ومحفزة.
إن ثقافة خدمة المواطنين شاعت وذاعت في المجتمع بفعل تعدد الحاجات وتوزع الجهات، وكثافة السكان، والنهضة العلمية واختلاف الأنساق في البناء الاجتماعي الكلي، وتباين الوظائف والتنويع في الأدوار، وكثرة الطموحات، وارتفاع مستويات المعيشة في ربوع بلدنا الغالي وتحت قيادة ملهمة تتمثل في مليكنا المفدى خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وإخوانه البررة. إن مقصدنا من هذا المقال هو التأكيد على أن تتحصل خدمة الجميع من الجميع وفقاً لما جاءت به النظم وحضت عليه الأعراف وأكدته التقاليد ودعت إليه القيم الأخلاقية ونتائج العلم الحديث وحسب قناعتنا بحدود الالتزام الوطني.