لائحة الشروط القاسية التي أرفعها في وجه أبنائي لأمنع عنهم التلفاز الذي يعرض مباريات كرة الأمم الأوروبية في موسم الامتحانات، تصنع نوعاً من المخاتلة اليومية الطريفة بيني وبينهم.
وأذكر عندها أيامنا عندما لم يكن هناك سوي فريقي كرة قدم هما الهلال والنصر، وإذا لم تكن هلالياً فلابد أنك نصراوي، وكان الجميع منخرطاً في هذا التقسيم صغاراً وكباراً, صبية وصبايا، حتى أن المثقفين ومن يسمون أنفسهم بطبقة الانتلجنسيا قد تورطوا ببعض التصنيفات والتحليلات التي تصب في هذا الموضوع، فجعلوا من أحد هذه الأندية الكروية هو فريق البرجوازية المترف المدعوم من الصحافة، بينما الفريق الآخر هو فريق البرولتاريا والطبقة المسحوقة والحارات الشعبية.
وبين هذا وذاك كانت المباريات تعتبر مواسم تستأثر بالوجدان الشعبي حيث يتصعد الحماس إلى درجات أن تحدث مشادات في البيت الواحد بعد مباراة للقمة، لكنها لم تكن تتم أبداً في مواسم الاختبارات.
فقط كان هناك المربع الأخضر الذي تتدحرج فيه الكرة ويجري خلفه أحد عشر لاعباً من كل فريق، تسلط عليه الأنظار لتصب فيه كل أحلام الجماعة بتحقيق هوية الغلبة والنصر.
أحياناً نستغرب هذا الحماس الكبير والجيشان العاطفي الذي يصحب مباريات كرة القدم، وسرعان ما نتهمهم بالخفة والطيش والسطحية، على حين أن كرة القدم الساحرة تلامس أبعاداً عميقة في النفس البشرية، لاسيما لدى طبقة الشباب الذين يحتاجون إلى تكريس قيم الصراع النبيل والبطولة والتفوق والغلبة على الخصم، والانضواء تحت مظلة الغالب.
لكن الفتية لا يشجعون النصر أو الهلال أفئدتهم تهوي هناك بعيداً نحو الشمال، مع حالة انسلاخ كامل عن أخبار الفرق المحلية، نجومها ولاعبيها وصراعها ونميمتها وأخبار الكواليس.
يشجعون الفرق الإيطالية، والإنجليزية والإسبانية، وتملأ شعاراتها جدران غرفهم وخزانات ملابسهم، وهناك نوع من التماهي النفسي العميق مع أبطال تلك الفرق ونجومها، على مستوى الهيئة أو الهوية، حتى أن إيطاليا موطن التاريخ العريق ومحطة الثقافة والجمال، لا تعني للناشئة سوى فريق (أ - سي - ميلان) الشهير.
هل هذه شروط الغالب وقوانينه؟ وهي تتسلل لنا عبر أحبولة كرة القدم الساحرة؟
وهاهي مباريات الفرق الأوربية التي تتزامن مع الاختبارات تصنع حالة توتر في المنزل بين المطالبة والمساومات والشروط التعجيزية والغضب والحنق، وتحيلنا إلى أننا المتفوق حضارياً هو البوصلة التي تستقطب قلوب الشباب والناشئة.
بينما مباريات النصر والهلال لم تكن أبداً تتزامن مع موسم الاختبارات.