Al Jazirah NewsPaper Thursday  19/06/2008 G Issue 13048
الخميس 15 جمادىالآخرة 1429   العدد  13048
إضاءات نفسية
د. محمد بن عبد العزيز اليوسف

زاوية تهتم بكل ما يتعلق بالطب النفسي والتنمية البشرية وتطوير الذات.. نستقبل كل أسئلتكم واقتراحاتكم..

الحساسية المفرطة

* السلام عليكم

مرحباً دكتور محمد

سؤالي: أنا للأسف حساس جداً، كيف أستطيع تخفيف تلك الحساسية الزائدة؟

أرجو الرد وشكراً.

- أخي الكريم لست وحدك من يعاني من هذا الأمر، بل هناك الكثير، ولتوضيح مدى المعاناة التي يعيشها هؤلاء الأشخاص لمن لا يستطيع فهم شعورهم.. أقول إنهم للأسف يمكن تشبيههم بمن أعطى جهاز التحكم الخاص بمزاجه ومشاعره للآخرين بدل أن يكون مركز التحكم داخلي، فتجد الشخص يخرج من بيته لحضور مناسبة معينة يفترض أن تدخل البهجة والانشراح إلى صدره لكن بكلمة واحدة موجهة له من أحد الحضور ينقلب مزاج صاحبنا 180 درجة، وقد ينسحب من المناسبة مبكراً. بل إنني أقابل في العيادة أشخاصاً يستطيع الآخرون بكلمة تعكير مزاجهم وإبقائهم داخل غرفهم لمدة أسبوع. طبعاً درجة الحساسية هنا تختلف لكن القاعدة العامة هي أنه إما أن تستعيد التحكم الذاتي بنفسك أو تترك للآخرين التلاعب والتحكم بمشاعرك بكلماتهم كيفما شاؤوا. أحد الأمور المهمة هنا هو أننا يجب أن لا نعطي للآخرين قيمة وحجماً مبالغاً به، ولا أقصد هنا عدم احترامهم إطلاقاً ولكن هناك فرقاً كبيراً بين احترام الشخص المقابل وإعطائه قيمة وأثراً مبالغاً فيه على حياتنا وتقديرنا لأنفسنا.

وسأطرح بعض النقاط التي أرى أنها قد تساهم في تخفيف حدة ووقع كلام الآخرين على الشخص الحساس:

1 - تذكر أن الكلام الذي يصدر من شخص أياً كان هذا الشخص هو في الحقيقة يعبر بالدرجة الأولى عن الشخص الذي صدر منه الكلام وليس عنك حتى وإن كان موجهاً إليك، فعندما يطلق أحدنا حكماً على شخص فهو في الحقيقة يطلق حكماً على نفسه بالدرجة الأولى، وأعني بذلك حالته النفسيه في تلك اللحظة (غاضباً بشدة مثلاً) وقدرته على التواصل الفعال بالكلمات (لا يملك أسلوباً جيداً)، حكمه على الأمور يميل إلى السلبية والانتقاد بدلاً من التشجيع وتلمس الإيجابيات (يفتقد حس التفاؤل والإيجابية والقيادة). وكما ترى فالكثير من السمات تبرز عند من يطلق الأحكام والانتقادات أكثر من الشخص الموجه له الكلام خصوصاً عندما يكون ذلك على الملأ وأمام مجموعة.

2 - نكون حساسين جداً عندما نتلقى الكلام بشكل شخصي بحت، وهذه النقطة مرتبطة بسابقتها فتذكر أنك أنت بنفسك أحياناً قد تخطىء بتصرف معين فتغضب غضباً شديداً وتطلق عبارة جارحة جداً عن نفسك (ما أشد غبائي!!) ألا يحدث ذلك أحياناً في لحظة غضب، فكذلك الآخر قد يغضب ويطلق عليك عبارات جارحة.. إما أن تركز في محتواها وتفاصيلها فتؤذيك أو تذكر نفسك لحظتها أن محتواها فارغ لامعنى له سوى أن الشخص المقابل غاضب ويهذي بكلمات لا تعني شيئاً.

3 - نحن في مجتمع يميل كثيراً بطبيعته إلى إطلاق الأحكام المتسرعة (judgmental) ولذلك أسباب كثيرة ليس هذا موضع ذكرها، كما أننا نميل أكثر إلى النقد وإبراز السلبيات ولا يستهوينا كثيراً البوح بإيجابيات الشخص المقابل أو التصريح بإعجابنا بجوانب معينة في شخصيته. لذلك فهم واستيعاب طبيعة المجتمع الذي تعيش فيه أمر مهم أيضاً.

4 - كلما فتحت حواراً واضحاً أكثر مع نفسك وكنت موضوعياً بدرجة أكبر في فهم إيجابياتك وسلبياتك كلما كانت سيطرتك أكبر على مشاعرك الداخلية وبالتالي أصبحت أكثر قدرة على التحكم بردود فعلك أمام الآخرين، ولذلك أهمية كبيرة لأن هناك فئة من الناس للأسف (أرجو أن تكون قليلة) تحب أن تستفز الأشخاص الحساسين لعلمهم بقوة ردة فعلهم مقارنة بالآخرين. ولذلك فعندما تصبح ردود فعلك أكثر هدوءاً وثباتاً لن يجد هؤلاء ما يبحثون عنه فيك (أي ذلك الشخص سريع الاستثارة وسهل الاستفزاز) وستجد أن تعليقاتهم الساخرة تلاشت شيئاً فشيئاً إلى أن تختفي.

5 - يمكنك أن تعتبر كل كلمة تؤثر فيك بشدة بمثابة هدية حقيقية لفهم ذاتك وتطوير شخصيتك، فالكلمات التي تؤثر بك أكثر عادة يكون السبب وراء ذلك هو أنها تلمس بداخلك منطقة معينة إذا استطعت أن توجه وعياً ناضجاً نحوها ستكون هذه خطوة مهمة في تطوير ذاتك وتنمية شخصيتك. وهذا هو البديل الصحي لجلد الذات والشعور بالكآبة كردة فعل غير مجدية.

أختم بقصة ذلك الرجل الذي جاء يصرخ بأعلى صوته (يامذمم) (يامذمم) قاصداً بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام له البعض متحفزين فأشار لهم الرسول الكريم دعوه إنما يدعو مذمما وأنا محمد.. هكذا بكل بساطة قمة الهدوء والثبات النفسي.

دواء بنصيحة صديق

* السلام عليكم دكتور محمد اليوسف..

بعيداً كل البعد عن الإطالة حالتي أنا أعاني من ضغوط نفسية شديدة بالعمل منذ ثلاث سنوات وأضيفت لها من محاسن الصدف ضغوط نفسية بالمنزل. المهم منذ أربعة أشهر وصف لي أحد المقربين علاج الزاناكس وهو يستخدمه منذ ما لا يقل عن سنتين وماظهرت عليه أي آثار أو أعراض جانبية وأعطاني حبوباً منه مقدارها ملليجرام واحد ولكن نصحني بأخذ ربع ملليجرام لمدة ثلاث أيام متتالية عند الضرورة وأتوقف عنها لمدة لا تقل عن ثلاثة أيام أخرى، وبطبعي بحثت عنه في الإنترنت وأخذت معلومات كافية عنه وقررت استخدامه ووجدته مفعولاً قوياً وفعالاً وسريعاً ومنحني قوة وثقة بالنفس وأعاد لي ما أفتقده منذ 3 سنوات، استخدمته لمدة لا تقل عن 4 أشهر ولكن في الغالب آخذ نصف ملليجرام في الأسبوع يعني مرتين في الأسبوع. المهم الآن بدأت عليّ أعراض تنميل في الجسم والرأس وغثيان وخوف شديد وزغللة وتعب وخمول وإمساك والظاهر لي أني لازم أوقفه ولكن خائف من التوقف المفاجىء إنها تزيد هذه الأعراض أو تحصل لي مشكلة أكبر. ماهو الحل علماً أنني في منطقة لا يوجد فيها أي دكتور نفسي ولك مني كل الود والشكر والامتنان مقدماً؟

- أخي الكريم لا أود أن أكون قاسياً عليك ولكن رغبة في توعية من يقرأ هذه السطور أتمنى تجنب عادة استخدام الأدوية وخصوصا الأدوية النفسية بناء على نصائح الأقارب أو الأصدقاء لأنه يبدو أن هذا الأمر بدأ بالشيوع بشكل أكبر مما قد يتصور البعض.

قد يكون لظروفك الصعبة ووجودك بمنطقة بعيدة دور في عدم استشارتك لطبيب في ذلك الوقت ولكن الأدوية النفسية كثيرة وهي متشابهة وغير متشابهة في نفس الوقت (كيف؟) متشابهة كمجموعات ولكن كل دواء له صفات مميزة يتم اختياره لكل مريض على حدة بناءً على التقييم النفسي المتكامل. وبالنسبة للزاناكس فهو دواء معتمد وكما أشرت سريع المفعول خصوصاً بإزالة أعراض القلق والتوتر الشديد لكن مشكلته الأساسية أنه قد يسبب الإدمان والتعود إذا تم استخدامه بشكل يومي منتظم لمدة طويلة (أكثر من ثلاثة أسابيع عادة) ولذلك ونظراً لوجود أنواع أخرى من الأدوية الفعالة والتي لا تسبب الإدمان فإن الكثير من الأطباء النفسيين يفضلون استخدامها بدلاً عنه. الحمدلله أنك كنت تستخدمه بشكل متقطع وليس منتظم أما بالنسبة للأعراض التي ذكرتها فقد تكون أعراض توقف عن استخدام الدواء والمطلوب إذا كنت تأخذ نصف ملليجرام في الفترة السابقة في الأسبوع كما ذكرت أن تقلص الجرعة إلى ربع ملليجرام في الأسبوع لمدة أسبوعين ثم توقف الدواء تماماً. ضع في اعتبارك أنك قد تشعر بالأعراض التي ذكرتها بشكل أشد خصوصا خلال الأسبوع أو الأسبوعين الأولى بعد التوقف لكنها وبرغم أنها أعراض مزعجة جداً إلا أنها ليست خطيرة (أي لن تؤدي باذن الله إلى أي تطورات خطيرة) فقط اصبر عليها فترة أسبوع إلى أسبوعين (الفترة الحرجة) critical period وستجد أنها بعد ذلك تبدأ بالتلاشي شيئاً فشيئاً إلى أن تختفي تماماً.

أنصحك أيضاً بممارسة الرياضة بانتظام فهي وسيلة فعالة للتخلص من الضغوط وتعزيز الاسترخاء الطبيعي.

وفقك الله

إضاءة

مهما بلغت حبكة واحترافية التصنع فإنها تبقى أضعف من قوة تدفق المشاعر الصادقة

دكتوراه في الطب النفسي كلية الطب ومستشفى الملك خالد الجامعي - الرياض


mohd829@yahoo.com e-mail:

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد