في ملامح وجه شكلته صرامة التقاسيم ورقة النظرات ينزاح في مزاج مر قناع أسود عن جبينٍ تخفق فيه طيور بيضاء في حقول كرمٍ سوداء.
أرى بين فراغات أنامله دنيا أخرى يبتسم فيها بين حين وآخر ليلون السماء بلونٍ غريب لون له رائحة الطين وطعم المطر
صوته يملأ المكان كدخان بخور يتخلّل شقوق الجدار.
وأنا ما زلت أقف أمام المرآة لأنقب عن ملامحه في وجهي.
* * *
حينما يحين موعد حصاد آخر أرسم بين الحقول عينيه وتحت النخيل تلهمني الساقية شيئاً من أحاديثه المقدسة فألمح في الأفق ضوءاً خافتاً فأشعر بشيءٍ من الرهبة ربما هي إحدى عباراته..
* * *
ذات مساء طرق سكوني بنحنحته المجلجلة ففتحت له طرفاً من روحي فتسلّل داخلها زارعاً روحاً أخرى بيضاء باردة تنساب بين أصابعه صافية كبلور مشع.
* * *
ضوء خافت يخترم ظلام المكان وأنين جنائزي يلتهم سكونه شعرت حينها أن أحرفاً من ذاكرتي بدأت ترحل بلا عودة وأن أشرعةًً من طهر السماء قد طويت حينها أغمض عينيه في ظهرٍ سرمدي بلا زمن فرمت ذلك النجم الغائر في سماء الأربعاء وناجيته.
أبتاه لا ترحل
فهل للنخل صوت في غيابك
فصوت النخل من كفيك جلجل
أبتاه لا ترحل
وحبات التمر لم تقطف
وحول بيت الطين قد ذبل
أبتاه لا ترحل
حتى تعلمني أبتاه ما تعني
مداعبة النسائم أوراق الخريف
تراقص السنابل في وقع لطيف
وهل للشمس حين تدنو
لحقول القمح من طقوس
بمنخل تؤتى أو بمنجل
أبتاه لا ترحل
فهذا الحقل ما يسعده
غير عينيك ترنو في مداه
وتسأل
أشربت اليوم يا أغصان؟
أجاءك الساقي بعذب منهل؟
أبتاه لا ترحل
فهذه لغة تحسنك الحب لفظاً
وتحسنها بالحب مشتل
أبتاه إن ترحل
يموت الحقل لا جوعاً
ولا عطشاً
وقد يروى
ولكن يموت الحقل روحاً وفياً
وقد يئن ويسعل
وفي آخر الصباحات
قد يبكي ويسأل
(أين أبوك أيها الفتى؟)
وإن لم أجبه يا أبت
قد يرحل