لا مناص من الانفتاح على الآخر والاختلاط به ومعرفة ما لديه وانتقاء الصالح منه على الصعيدين المادي والمعنوي، وبالأخص إذا كان هذا الآخر هو الرمز التقدمي (الفعلي) الذي يصطلح عليه العدو والصديق القاصي .....
.... والداني فالحقيقة (شمس) لا يمكن إخفاؤها بخرقة!، أو تجاهلها بالتفاتة..!، مهما احتدمت الظروف وضاقت الأنفس.
موجة الابتعاث (الحادة) شغلت القريب والبعيد فأصبحت حديث الكل وشغلهم الشاغل، فهي شبيهة بزوبعة الأسهم - مع البون الشاسع بينهما - ولكن كليهما نفذ بعشوائية؛ فالضبابية هي القاسم المشترك بينهما.
فكرة الابتعاث (رائدة).. ولكنها لم تنفذ وتطبّق بالشكل المرجو (المطلوب) فكان القبول فيها يعتمد على الحظ و(خبط العشواء) والعفوية!.. فانصبت (البعثات) على الفئة التي لا تحتاج إليها، فهو بالنسبة لها تحصيل حاصل لا أقل ولا أكثر، فليست - بالنسبة لهم - سوى تجربة (عابرة) إما أن تنجح وتسير أمورها أو أن تفشل وتتعثر لأي سبب كان فيعود هؤلاء إلى ديارهم ولم يخسروا شيئاً، فالوظيفة (محجوزة) وبانتظارهم بعد أن قفلوا وقد استمتعوا بجولة سياحية مجانية! على حد تعبير بعضهم؛ أما الفئة التي هي بأمس الحاجة إليه فهي أبعد ما تكون عنه ووصولها إليه مجرد حلم بالنسبة لها، وهذه هي المشكلة التي نعاني منها والتي يزيدها المسؤولون تعقيداً، ففئة ليست بالسهلة من الذين ابتعثوا هم إما موظفون استقالوا من أعمالهم أو جمّدوها بإجازة بدون مرتب، أما العاطلون - ممن يحملون الشهادات - ولم يتمكّنوا من الحصول على وظائف فهم من لا يستطيعون الوصول إليه، بينما يخوض أولئك الطامحون - غير الجادين - هذا الشيء الذي يقولون عنه ابتعاث لعل وعسى أن يروق لهم؟!
كان المفترض على وزارة التعليم العالي أن تفرض شروطاً أكثر صرامة وصدقاً وأن تستحدث - على الأقل - فترة (تهيئة) إعدادية لمدة فصل واحد بالتعاون مع إحدى الجامعات، لمعرفة مدى جدية من يريد أن يسافر ويكمل دراسته هناك، وأن تكون بمثابة فترة إعدادية تأهيلية متنوّعة وشاملة، بحيث يستفيد منها كل من عقد العزم على السفر إلى الخارج لتطوير مهاراته العلمية.
الغريب في الأمر أن إدارة البعثات كانت تسمح للطلاب غير المستوفين للشروط بالابتعاث، وفجأة ومن دون مقدمات شددت على تطبيق الشروط! ومن دون دراسة فأحسَّ الكثير من الطلاب بالظلم حيال ذلك ولا يلامون وهم يرون زملاءهم الذين في مستواهم أو أقل منهم قد ابتعثوا؟!، حتى هذا التشديد كان قابلاً للاختراق هو الآخر، ونتمنى من وزارة التعليم العالي أن تجتهد في تطبيق القوانين وفي إيجاد حلول سريعة تضمن الاستفادة من هذه المكرمة الملكية الكريمة التي تهدف إلى توسيع الأفق العلمي لأبناء هذا الوطن على المدى البعيد.