ورغم أن الاجتماع كان عن (الاختلاط)، والمرأة هي المعنية الأولى بالأمر، والمتضررة في الوقت ذاته من تبعاته، رفض المسؤولون في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مدينة جدة أن يحضر أي من النساء الاجتماع الذي عقدته الغرفة التجارية هناك حول الموضوع، إلا أن سعادة وكيل الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الدكتور إبراهيم الهويمل، تدارك الأمر، ووعد قائلاً: (هذا هو اللقاء الأول ورغبنا في اقتصار الحضور على الأعضاء الذكور فحسب، ولا مانع من حضور السيدات اللقاءات المقبلة).
وهذه إرهاصة واعية ومتفتحة من سعادة الوكيل، تدل على أن الاجتماع القادم سيضم النساء والرجال معاً، ولن يكون مقتصراً على الرجال، وأنا لا ملك هنا إلا أن (أشيد) بوعد سعادته الذي قطعه على نفسه، وكلي ثقة أنه سيفي بوعده بلا شك، وسيعطي المرأة في اللقاءات المقبلة الفرصة كاملة للحضور والمشاركة في هذا النقاش الحيوي الذي سيكون له بكل تأكيد انعكاسات اجتماعية ايجابية، ويخرج الهيئة من (عزلتها) إلى الهواء الطلق لتناقش مع الناس قضاياهم، ولا تكتفي بإجبارهم على الانصياع (لاجتهادات) أعضائها، كما هو وضعها الآن.
ومثل هذا الوعد سيغير الكثير من الانطباعات التي تكونت في أذهان الناس عن مسؤولي الهيئة، ومؤداها أن المسؤولين في هذا الجهاز الحكومي يرفضون (الحوار)، ويأنفون من تداول القضايا مع المعنيين بها، ويتعاملون مع الناس، رجالاً ونساء، وكأنهم (قصار) وهم عليهم (أوصياء)، وبالتالي فليس لقاصر أن يناقش الوصي فيما يتخذه من قرارات. وغني عن القول إن هذه الممارسة قد تكون مقبولة في عصر مضى، أما اليوم فلا يمكن قبولها مهما كانت المبررات.
وقبل أيام، وفي احتفال مدينة الملك عبدالله الاقتصادية، والذي رعاه قائد هذه البلاد الملك عبدالله - حفظه الله -، شاركت نساء سعوديات في الاحتفال، وشرحن (مباشرة)، ودون حواجز، لخادم الحرمين الشريفين وضيوفه كثيرا من فعاليات المدينة، وكن يتحدثن بتمكن وثقة ومهنية، وهن ملتزمات بالحجاب الشرعي، الأمر الذي يثير الفخر والاعتزاز بنساء هذه البلاد، ويشير في الوقت نفسه إلى رغبة أكيدة لدى قيادة هذه البلاد في إعطاء المرأة دوراً أكبر في صناعة التنمية، وتخطي المحاذير التي يقيمها المتشددون في وجه نصف المجتمع من النساء، والتي تنطلق من منع (الاختلاط)، تلك الحجة التي توسعنا فيها كثيراً، وكلفتنا على المستوى الاجتماعي والاقتصادي الكثير، حتى سمعنا أصواتاً (متزمتة) تطالب بالفصل الكامل بين الرجال والنساء حتى في المستشفيات!
ولا أحتاج إلى دليل لقول إن تهميش المرأة، ومنعها من المشاركة في التنمية لا يمكن البتة استمرارها. ربما أن المجتمع في السابق قبلها على مضض، وتحمل تبعاتها. أما الآن، ونحن عشرون مليون نسمة أو تزيد، (نصفهم) من النساء، فلا يمكن لنا إلا أن نتجاوز هذه العقبات وننضم إلى بقية العالم، ونعطي النساء حقوقهن في تلمس أرزاقهن.
بقي أن أقول إن استجابة سعادة وكل الهيئة للقبول (بالحوار) مع النساء وجهاً لوجه في المرات القادمة، يواكب توجهات الدولة في عهد الصلاح والإصلاح، وسعادته يدرك - بلا شك - أنه يمثل الدولة وتوجهاتها وليس مجرد شخصه وقناعاته.