بيني وبين صاحبي على شاطئ البحر مَخَرَت قوارب الفكر والتأمل بحار الوقت؛ فأوحت لي تلك اللحظات بأن (الامتدادات) أيا كانت تشكل بُعدا تتوارى نهاياته عن الأعين، وتضمحل أمام اتساعه الكثير من أشيائنا! وفي كثير من زوايا محيطنا وكثير من مساحات دواخلنا امتدادات تشعرنا برغبة في الهروب من ضيق الحال والرحيل إلى مساحات تملؤها الحرية. |
أمام واحد من هذه الامتدادات التي ألفناها وقفت أرسل بصري إلى نهاياته علني أراها؛ فيرتد إلي طرفي خائبا فنهايات البحر تُعجِز الأبصار.. |
أمام امتداد البحر قال صاحبي: أي شيء يثير فيك ذاك الامتداد وأي شيء تبعث فيك تلك المساحات المتموجة؟ |
سؤال ألقى موجه بمده في أسماع الكثير قبلي وسيلقيه على الكثير بعدي كالبحر لا ينفد مده.. سؤال ألفناه حينما نقف صغارا أمام عظمة البحر.. لكن جَزْر إجابتي كان (صادما) فلم يكن كما استساغه واعتاده مسمع صاحبي.. لأن البحر لم يكن ملاذا لسري، ولا مقبرة لهمي! بل كان حالة إحباط أعيشها بين احتقار لعالمي الصغير، وخوف من بعد مسافات الأمل والطموح! |
فالبحر بشاطئه الذي يوحي لكثير أنه هنا تقتل الهموم وتدفن الآلام، وأن مده يد تحمل الهموم وجزره رحيل بمكنون الصدور ليس حقا كل هذا! |
فالبحر قد تثقله قواربه الصغيرة فيبتلعها! وكيف لي أن آمن على سري وهمي من لم يؤمن على حمله؟ |
ويا صاحبي إن خشيت أمواج المدينة فللبحر موج.. وإن ضاقت بك الأرض بما رحبت فليس البحر من ضيقها ببعيد! ولن تجدينا امتدادات المدى إن ضاقت مساحات الصدور! |
فليكن لصدورنا بحر نتنفس على شاطئه الارتياح من العناء؛ مده عمل وجزره أمل.. عندها سنرحل بقواربنا في بحر لسنا نخشى غدره فليس آمن على السر من صاحبه وليس أعلم بالهم غير حاضنه. |
وسل من ضاق امتداد صدره فوجد (بحره وليله وصبحه) ضيقا حرجا فقال: |
وليل كموج البحر أرخى سدوله |
علي بأنواع الهموم ليبتلي |
فقلت له لما تمطى بصلبه |
وأردف أعجازا وناء بكلكل |
ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي |
بصبح وما الإصباح منك بأمثل |
(امرؤ القيس) |
|