انطلاقاً من الدور القيادي للمملكة وإيمان الملك عبدالله بمنهج الحوار وحرص قيادتنا على استقرار السوق البترولية واستقرار الاقتصاد العالمي وبالذات اقتصاد الدول الفقيرة والنامية وتحقيق التعاون بين قطبي المعادلة النفطية (المنتجين والمستهلكين) لمواجهة أزمة الطاقة وسد الفجوة بين الطرفين وتشخيص التحديات العالقة بارتفاع غير مبرر لأسعار النفط في السوق البترولية وإيجاد حلول جماعية لها، ومع أن السياسة النفطية للمملكة تحرص على استقرار الأسواق والتوازن في الأسعار والحفاظ على مصالح الدول المستهلكة والمصدرة، كما أكد ذلك سمو الأمير سلطان في مدريد قبل أيام، ومع التزام المملكة كأكبر دولة منتجة للنفط في العالم بمواجهة أي نقص في المعروض في الأسواق بعد أن سجل لها التاريخ تقديمها تضحيات كبرى في وقت مضى ولا تزال تهتم بخدمة قضايا الإنسان والعالم، واستشعاراً من المملكة لمسؤولياتها وليقين الملك عبدالله بأن مسؤولية استقرار السوق البترولية هي مسؤولية جماعية ومشتركة بين منتجي البترول ومستهلكيه على حد سواء لأن ارتفاع أسعار النفط أو انخفاضها إنما يمثل صدمة بل أزمة لأي من الطرفين ولا يمكن لطرف واحد التحكم بالأسعار ارتفاعاً أو هبوطاً لوحده دون تعاون كامل من الطرف الآخر فقد وجه -حفظه الله- معالي وزير البترول والثروة المعدنية بالدعوة لعقد لقاء عاجل في جدة لإجراء حوار غير تقليدي حول الارتفاع الحالي غير المبرر لأسعار النفط ومسبباته وكيفية التعامل الموضوعي معه حفاظاً على مصالح الطرفين، وتعزيز العلاقات وتطوير الفهم المشترك وبناء جسور الثقة ورسم السياسات التي تعمل على تحقيق استقرار وشفافية أسواق الطاقة ونمو الاقتصاد العالمي والاستقرار السياسي وتعزيز أمن الطاقة التي تمثل شريان الحياة.
وقد لقيت دعوة خادم الحرمين الشريفين ترحيباً دولياً كبيراً وصدى واسع النطاق بهذه المبادرة وتأييداً فورياً من قبل المنتجين والمستهلكين والشركات العاملة في مجال النفط فقد أعلن الأمين العام لمنظمة أوبك عبدالله البدري عن أن الاجتماع سيعقد في يوم الأحد 22-6-2008 بمحافظة جدة والذي من المقرر أن يكون برعاية الملك عبدالله وبحضور وزراء النفط وذلك قبل الاجتماع العادي لأوبك في سبتمبر القادم.
ومع تحول النفط لسلعة إستراتيجية مهمة للغاية وتشتد حاجة الشعوب والدول إليها في معظم مناحي الحياة فقد ارتفعت أسعاره بشكل غير متوقع وبنسب عالية لم تؤخذ في الحسبان لدى المصدرين والمستوردين وارتفعت معها الأصوات الغربية لممارسة الضغوط على الكارتل النفطي (منظمة أوبك) بدعوتها لرفع سقف الإنتاج لترويض ارتفاع الأسعار وتهدئتها، ووجهت الاتهام لمنظمة أوبك (دون المنتجين الآخرين من خارج الأوبك مثل روسيا والمكسيك والبرازيل) بارتفاع الأسعار مع أن سلعاً كثيرة أخرى كالذهب والمواد الغذائية على سبيل المثال ارتفعت أسعارها بشكل صاروخي دون أن توجه التهم بارتفاع أسعارها للدول المنتجة لها، ومع أن وكالة الطاقة الدولية حذرت من أن أسعار النفط العالية ربما تكون مفيدة لمنع الاختناق في الطلب على النفط ومن أجل إعادة التوازن للسوق النفطية (الشرق الأوسط 11-6-2008) فإن من الصعب التكهن بما قد يتم التوصل إليه أو الاتفاق عليه في الاجتماع القادم في جدة للمنتجين والمستهلكين، لأن الأسباب ليست ناتجة عن نقص أو وجود شح في هذه المادة في الأسواق العالمية كما تزعم الدول المستهلكة، فالواقع ينفي ذلك تماماً وبشهادة جهات ذات صبغة حيادية كوكالة الطاقة الدولية.
إن تحليلات المراقبين والمختصين في مراكز الدراسات تؤكد بأن أسباب ارتفاع الأسعار إنما تعود لوجود عوامل ومسببات خارجة عن إرادة أوبك وسيطرتها، فهناك تقصير وتجاوزات من الدول المستهلكة نفسها بسبب عدم كبح حمى المضاربات في أسواق النفط، وارتفاع الضرائب على المنتجات النفطية المكررة في الدول المستوردة والمستهلكية للنفط، والانخفاض الشديد لسعر صرف الدولار لسياسات داخلية أمريكية، والاضطرابات السياسية في بعض الدول المنتجة للبترول، والكوارث الطبيعية مثل إعصار كاترينا الذي دمر بعض المصافي الأمريكية وتفجر الطلب في عملاقي آسيا (الصين والهند اللذين لا يتمتعان بالعضوية الكاملة في وكالة الطاقة الدولية)، وقلة القدرة العالمية على التكرير في الدول المستهلكة وغير ذلك من الأسباب خارج منظمة أوبك، وقد جاءت الدعوة السعودية في وقتها ومكانها المناسب، وهي بذلك إنما تجسد سياسة المملكة النفطية العادلة والمتزنة التي تحرص على تحقيق استقرار أسعار النفط في الأسواق العالمية عند حدوده المعقولة التي لا تضر بمصالح المنتجين والمستهلكين مثلما التزمت بمواجهة أي نقص في المعروض، وتنشد الاستقرار في الأسواق والتوازن في الأسعار وتأخذ بالاعتبار مصالح الطرفين بعيداً عن الابتزاز والتنازع وكيل التهم جزافاً، مثلما تحرص على استقرار الاقتصاد العالمي وخصوصاً اقتصاد الدول الفقيرة وتحقيق الاستقرار السياسي، وتسعى لجمع الفريقين على طاولة واحدة للحوار البناء والهادف من أجل الوصول إلى حلول عملية طويلة المدى وبمشاركة كل الأطراف ذات العلاقة لاتخاذ قرارات مهمة ربما يكون من بينها فتح المجال وتشجيع الدول المستهلكة للاستثمار بالتنقيب عن آبار جديدة للنفط، وبناء المزيد من المصافي، وزيادة القدرة العالمية على التكرير ووقف حمى المضاربين ومراجعة الضرائب والتدخل لرفع سعر صرف الدولار وغير ذلك من التوصيات والقرارات الملحة التي تعالج الموقف المستجد على الساحة البترولية.
مدير عام التعليم بالرياض