ربما تعد مصر الدولة العربية الأكثر تعرضاً للاستعمار (الاحتلال) الأجنبي في تاريخها، وذلك بسبب أهمية موقعها وشعبها وثرواتها، ولهذا كان تركيز المستعمر الأجنبي عليها تركيزاً كبيراً، وهذا ما جعلها هدفاً للاعتداءات والحملات العسكرية حيناً، وللمؤامرات والدسائس الاستخباراتية أحياناً أخرى، من أجل إضعافها وعزلها عن التوحد مع محيطها العربي، وفي هذا الإطار زرع أعداء مصر بذرة القومية الفرعونية وثقافتها، وسعوا إلى تحقيق ذلك سراً وعلانية.
وكردة فعل موازية انطلقت في مصر الدعوة إلى القومية العربية على يد مجموعة من السياسيين المصريين الداعين أيضاً إلى الوحدة العربية، وكان على رأسهم رئيس الوزراء مصطفى النحاس. لكن الثورة المصرية التي فاجأت المصريين والعرب جعلت الأمور في مصر تأخذ منحى جديداً، واستقبلها الشارع المصري استقبالاً حاراً على أساس أنها قضت على النظام الفاسد لتحرر الأمة من موروث النظام المتهالك ومن الوجود الأجنبي، كما يقول إعلامها.
وقامت الثورة العسكرية التي قادها تنظيم من الضباط المصريين أطلقوا على أنفسهم: الضباط الأحرار. وتمكن الضباط من السيطرة على الحكم وإسقاط النظام الملكي في انقلاب عسكري يوم 23 يوليو عام 1952م.
واكتسبت الثورة تعاطفاً شعبياً مصرياً وعربياً عندما أقدم جمال عبدالناصر على اتخاذ بعض القرارات الوطنية الجريئة مثل بناء سد أسوان، وتأميم قناة السويس، ثم قيام الوحدة مع سوريا، مما جعل الرئيس عبدالناصر يحتل مكانة متقدمة في الشارع العربي كأول زعيم يتحدى الاستعمار ولا يخاف من الدول الكبرى.
لكن هذا الالتفاف الشعبي حول عبدالناصر وضباطه سرعان ما خف بسبب الانشقاق بين الرئيس جمال عبدالناصر وقيادات الإخوان المسلمين.
كما أن هزيمة حزيران 1967م المدوية لمصر والعرب أصابت الشعبية العارمة التي حققها جمال عبدالناصر بشرخ كبير، وأحدثت صدمة عنيفة للجماهير العربية، مما أضعف تلك الشعبية، ثم جاء دور الرئيس أنور السادات ليضيف المزيد من إضعاف تلك الشعبية، فتراجع التيار الناصري تراجعاً كبيراً في عهده، وتعرض للمزيد من الانقسامات.
وكان من أبرز إخفاقات الثورة اتجاهها نحو حصر السلطة في التيار الواحد، وإلغاء التيارات الحزبية الأخرى، وخصوصاً التيار الإسلامي، الذي أقصاه عبدالناصر بعد نجاح الثورة، واستمر خلفاؤه من بعده بضرب الحركة الإسلامية، وعدم السماح لها بالمشاركة السياسية على أسس ديمقراطية.
ومع ما حققته الثورة من الاستقرار السياسي لمصر ووحدة أراضيه؛ إلاَّ أن سياسة الانفراد بالحكم، ومبدأ سلطة الحزب الأوحد، قد أضرت بالبلاد إدارياً واقتصادياً، وتعالت أصوات المعارضة بحجة ارتفاع وتيرة الفساد الإداري، واستشراء البيروقراطية في أسوأ صورها، ومنددة بتراجع الإنتاج وزيادة الاعتماد على الدعم الخارجي، وازدياد البطالة، وهجرة العقول والمهارات، وتزايد معدلات الفقر.
