حرب 67 أو ما اعتاد العرب على تسميتها بالنكسة، باتت كالمزار السنوي الذي يمر به الإعلام العربي كل عام، ومن ثم يلتف حوله ليبدأ في أحياء كربلاء سنوية حول الحادثة المريرة وتفاصيلها وظروفها ونتائجها, في جوٍّ جنائزي من الحزن والعويل.
وكأن هذه الحادثة أمر غريب أو طارئ عن المسيرة التاريخية، أو كأن الموكب الحضاري المهيب كان يسير بكل جلاله وفجأة بزغ له وحش من منعطف دامس فذرى مادته الورقية الهشة. حتى الاسم الذي اخترناه لها، (النكسة)، أي أمر مؤقت وطارئ وخارج عن سياق انتصارات متعددة.
علماء التاريخ يقولون ليس هناك تاريخ, أو تحديداً ليس هناك تاريخ ثابت ومطلق, التاريخ هو حوار مستمر مع الحاضر, فنحن نكتشف التاريخ عبر الأدوات المعرفية المتوفرة لنا في الحاضر, وعبر رؤيتنا الخاصة وقيمنا الحالية.
ومن هنا تحديداً تنطلق مسيرتنا نحو كربلاء 67 كل عام، فنحن ما برحنا نقارب هذة القضية التاريخية بأنها أمر طارئ ومقتحم على السياق التاريخي للمنطقة، وأن المنطقة مكللة بأكاليل النصر والبطولة دوماً, وأن ما حدث آنذاك نتيجة مؤامرة عالمية ضدنا.
فالمتأمل لأحوال الخطاب السياسي حول الموضوع يجد أنها ما زالت ترفل في نعيم النصر الإلهي وبطولات المقاومة, حتى الأغاني ما برحت تترنم بالحلم العربي بشكل ساذج، وبشكل ينسج نوعاً من الغيبوبة تطبق فوق الواقع وتكبل الأسئلة المتمردة على هذا الواقع المخترقة لحجبه السميكة.
كربلاء النكسة السنوي الذي يصدح به الإعلام لكنه يعجز أن يفكك الموضوع إلى مادته الأولية، ومن ثم يحيله إلى سياقه التاريخي كونه جزءاً من هزيمة حضارية متراكمة عبر سنوات طوال، وأنه أحد انعكاسات التخلف الحضاري لأمة شاسعة تمتد من المحيط إلى الخليج لكنها مفككة القوى واهنة الأطراف، وأن الأمة التي تعجز عن توفير الحد الأدني من الحريات والكرامة الإنسانية لأفرادها في تعليمها وصحتها وحقوقها المدنية، هي حتماً أمة عاجزة عن النصر وعاجزة عن تحقيق الخطوة الأولى من التفوق الحضاري.
ما برحنا نعيش في زمن الشعوذة، وغيبوبة الأضرحة، والتمسح بالقبور، ونستطيب المزارات السنوية بين يدي القتيل الجميل. كل عام وكربلاء العصر الحديث بخير.