حيا على الصلاة، حيا على الفلاح، نداء خالد يتردد على الأسماع يوميا إيذانا بدخول أوقات الصلوات الخمس المفروضة، كي يستعد المسلم لهذه العبادة بالوضوء والتطهر، ثم يتجه إلى المسجد بكل سكينة ووقار وخشوع لأداء الصلاة جماعة مع إخوانه المسلمين، إنه النداء الذي تتشنف له الآذان وتطرب، وتطمئن له النفوس وتهدأ، وترتاح له القلوب وتسعد، ولا سيما عندما يوفق المؤذن ويؤديه بصوت خاشع هادئ. وإلى عهد قريب كان الأذان يؤدى من قبل سعوديين من كبار السن، يؤدونه في الأوقات المحددة بانتظام تام، لأنه لا شغل لهم ولا شاغل، فهم متفرغون لأداء الأذان، فلا المشاغل تلهيهم، ولا الأعمال تغريهم، إنهم منقطعون عن الدنيا، مقبلون على الآخرة، لهذا قل أن يتخلفوا عن الأذان، وإن حصل وتخلفوا لأسباب قهرية طارئة، لفت تأخرهم الانتباه، وتساءل المصلون عن الأسباب، فلعل المانع خير، هكذا كانت حالهم، التزام وانتظام، حرص واهتمام، ولا عجب في ذلك، لأنهم مقبلون على الله محتسبون، يراقبونه ويخشونه ويتعبدونه بأداء الأذان، ويرجون الفضل والثواب العظيم الذي اختص الله به المؤذنين، كيف لا، وهم يبعثون يوم القيامة أطول الناس أعناقا.
أما الأذان اليوم، فهو وظيفة، يتسابق البعض إليها طمعا في الراتب والسكن، ولأن جلهم من شاغلي الوظائف الحكومية، هناك معاناة من انتظام بعضهم في أداء الأذان، وتبدو المعاناة جلية في أذان صلاة الظهر، وفي صلاة المغرب والعشاء ولكن بدرجة أقل منها في الظهر، وسبب التخلف عن أذان الظهر واضح، وهو ارتباط جل المؤذنين بوظائف حكومية أخرى، وخروجا من هذا الموقف يوكل أداء الأذان لعامل النظافة في المسجد، وهو في الغالب من العمالة الوافدة، ومن يستمع إلى أذان المؤذنين وقت الظهر يدرك اللكنة والعجمة الواضحة في أدائهم، (هيا على الصلاة هيا على الفلاح)، بحيث تقلب الحاء هاء، وغيرها من دلائل العجمة في مفردات الأذان الأخرى.
لشعيرة الأذان فضائل، ولها ميزات أخروية ودنيوية، ولشرفها وأهميتها، وإقبال الناس عليها، يجب إعادة النظر في ضوابط ومعايير وشروط اختيار المؤذنين، لأن الوضع الحالي لكثير منهم يعكس صورة غير لائقة لما ينبغي أن يكون عليه من يتسنم شرف هذه المهمة العظيمة، فالتأخر عن الأذان في وقته، والغياب المتكرر عن أذان الظهر، يعطيان انطباعا غير سار لدى الناشئة وصغار السن، مما يوحي لهم ويغرس في وجدان أحدهم الشعور بعدم المبالاة والاهتمام بأداء الصلاة، والمحافظة عليها، طالما أن الموكل له مهمة الآذان غير محافظ على أداء مهمته في الأوقات المحددة لذلك.
ومما ساعد على تفشي هذه المخالفة، سكوت جماعة المسجد عليها وتقبلهم لها، إذ المؤمل فيهم أن يكونوا أول من يرفض هذا، ويحرص على تنبيه المؤذن وإمام المسجد على عدم التمادي في إيكال مهمة الأذان لعامل النظافة في المسجد، لأن في تكرار هذا التنبيه ما يدفع المؤذن إلى الالتزام بأداء الأذان أو تركه لمن لديه القدرة على ذلك.
ومما يساعد في دقة الاختيار وعدالته مشاركة جماعة المسجد وإمامه في هذه المهمة، بحيث يختارون من بين جماعة المسجد ممن تتوفر فيه الكفاية والقدرة والتفرغ، والالتزام بالمحافظة على الأذان في أوقاته كلها، بهذا تفتح فرص وظيفية لأعداد كبيرة من كبار السن الذين هم الأنسب والأقدر على الانضباط والالتزام بأداء هذه المهمة العظيمة الجليلة.