يحفل واقعنا الإنساني بالكثير من المشكلات الدولية المعاصرة التي تهدد حياة الإنسان وتشكل مهدداً دائماً لمستقبل البشرية. من أهم هذه الأخطار المحدقة قضية التغيير المناخي ومعاداة البيئة، التي لعل التشبيه الأخير لها من قبل الأمين العام للأمم المتحدة بأنها مشابهة لأخطار وكارثية الحروب أقرب تشبيه وأوجز تصوير؛ فالمستقبل المناخي للأجيال القادمة بات في خطر في ظل ما يهدده من استنزاف ديماغوجي للبيئة وإهدار تام لحيويتها من قبل بعض الدول، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، التي عبثاً تتلقى المطالب الدولية بالانضمام لمعاهدة كيوتو للحفاظ على مستقبل أجيال البشرية من أخطار التغيير المناخي والاحتباس الحراري المستمر والمهدد لحياة الإنسان.
إن ما يثير الاهتمام في قضية المناخ التي نحن في صدد الحديث عنها أنها وللأسف الشديد تأتي من قبالة الدول الصناعية التي تتحدث عن العصرنة والحداثة والديمقراطية إلا أنها وفي نفس الوقت هي المسبب الرئيس في قضية الاختلال المناخي وكارثية تطور حياة الإنسان من خلال الإسراف بما تستهلكه من طاقة بحرق الوقود التقليدي، وذاك ما يعود سلباً في انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون في جو الأرض الذي يؤدي إلى رفع درجة حرارته لاحتجازه العديد من طيوف الأشعة الشمسية ومنعها من العودة إلى الفضاء.
لقد أضحت قضية الليبرالية والديمقراطية الغربية خصوصاً في محط ميزان العدل فلا يعقل أن تندفع أيديولوجيات دول معينة إلى الحديث والتنظير عن حقوق الإنسان والحرية الشخصية والتحديث فيما تدور مصانعها ومكائن حرق الأجواء إلى تخريب مستقبل البيئة من أجل منافعها الخاصة بطريقة برغماتية ومصلحية تتعدى كل ما عرفه الإنسان من تطرف للذات ونرجسية ذاتية تامة؛ فقد كان من الأولى لبعض الدول التي تهرول إلى توزيع الاتهامات على دول العالم الثالث حول عدم احترام حرية الإنسان والمحافظة على حقوقه أن تقف مع ذاتها وقفة صادقة وتلتفت إلى عدم احترامها للمستقبل البشري ولحياة الأجيال القادمة على الأرض؛ فذاك أولى من إهراق اللبن في الحديث عما هو أهم وأقل خطورة من استهداف حياة الإنسان وتهديد مستقبله على هذا الكوكب الأرضي.