أجزم بألا أحد يريد الإضرار بأي منشأة سعودية خاصة تعمل ضمن قطاعات الإنتاج، بل على العكس من ذلك، تسعى الدولة جاهدة لدعم الصناعة المحلية، وتقديم القروض الميسرة، والمعونات المباشرة لخلق صناعة يمكن لها أن تساعد في تنويع مصادر الدخل، وتساعد في عمليات التنمية والبناء.
في معظم دول العالم تستقطع الضرائب الجزء الأكبر من أرباح الشركات، وتُفرَض عليها أنظمة صارمة فيما يتعلق بسلامة البيئة وخدمة المجتمع. الوضع مختلف تماماً في السعودية؛ فصناديق التنمية السعودية تقوم بتمويل المشروعات الوطنية بأموال ضخمة، وتشارك في إنشائها، وتتنازل في بعض الأحيان عن جزء من قروضها الميسرة من باب الدعم والمساندة، وتقدم الدولة للمواطنين أراضي شاسعة لاستخدامها في مشروعاتهم الوطنية.
ولأن ولي الأمر يأتي في منزلة الأب للمواطنين جميعاً؛ فهو يوازن بين مصالحهم الخاصة، ويسعى دائما إلى تحقيق التوازن والعدل بينهم. قبل فترة من الزمن، قبيل طفرة التنمية الحالية، اشتكت مصانع الأسمنت من فوائض الإنتاج وعدم تمكنها من تسويقه محلياً، واشتكى تجار خردة الحديد (السكراب) من تكدس أطنان الحديد لديهم وكساد تجارتهم بسبب انخفاض الطلب عليه محلياً، وتدني أسعاره. سُمح لهم بالتصدير على الرغم من أن خردة الحديد يُفترض أن تكون من الثروات الوطنية الاستراتيجية. الوضع اختلف تماماً هذه الأيام، وأصبح من مصلحة الوطن والمواطن ضبط وإنهاء فوضى التصدير التي أدت إلى شح المعروض وتضخم الأسعار.
فوضى التصدير ربما تسبب بها الوسطاء وبعض التجار ممن لا علاقة لهم بالإنتاج تحت إغراء الربح السريع، وبعض المصانع التي آثرت مصلحة ملاكها ومساهميها الخاصة على مصلحة الوطن. مقابل هؤلاء كان هناك مصانع وتجار وطنيون منضبطون حاولوا كثيرا في ضبط فوضى التصدير قبل استشرائها دون جدوى. للأسف الشديد صمت وزارة التجارة آذانها عن صوت المنصحين، ونظرها عن العمالة المخالفة وتجار السوق السوداء الذين كبدوا المواطنين والمصانع المنضبطة أموالاً طائلة. نشأت أسواق سوداء للحديد، الإسمنت، والطوب تديرها العمالة المخالفة وبعض المواطنين. الجمارك السعودية تساهلت كثيراً مع وسطاء الحديد والإسمنت، وسمحت لهم بتمرير كميات ضخمة منها دون الحصول على أذونات رسمية.
مدير إحدى شركات الإسمنت حذر من أن (قرار منع تصدير الأسمنت سيكون له إثر سلبي على مساهمي الشركات)، وآخر ذكّر الدولة بملكية صناديقها حصصاً في شركات الإسمنت علّها تتراجع عن قرارها تحت إغراء الربح!. آخرون ترافعوا باسم الدول المجاورة. هؤلاء رد عليهم الأمين المساعد لشؤون الاقتصاد في مجلس التعاون بقوله: (إن من حق أي دولة خليجية وقف تصدير منتجاتها باعتبار ذلك حالة استثنائية تستهدف حماية المصالح الداخلية).
ما زلتُ أعتقد أن التوجيه الكريم بضبط التصدير راعى في مضامينه مصالح الأطراف المختلفة، وهو قادر على خلق التوازن واستقرار الأسعار وثبات تكاليف التشييد، مع حفظ حقوق المنتجين من خلال ضبط التصدير لا الفوضى.
*****
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب 7741 ثم أرسلها إلى الكود 82244
f.albuainain@hotmail.com