Al Jazirah NewsPaper Saturday  14/06/2008 G Issue 13043
السبت 10 جمادىالآخرة 1429   العدد  13043
تساؤلات حول موانع الاستثمار الحقيقي في السوق
د. حسن الشقطي

لا يزال الأخذ بالعوامل الاستثمارية في اختيار شركات الأسهم قاصراً على المعايير المضاربية من حركة ونشاط الشركة في السوق واعتبارات التحكم والسيطرة فيها، بل واهتمام مجموعات المضاربين بها.. بعيداً عن مقتضيات التفكير الاستثماري القائم على تحليل الوضع الاقتصادي للدولة وحالة القطاعات السوقية وأيضا حالة وأوضاع شركات الأسهم.. لقد قامت هيئة السوق بجهود جبارة لتحويل وتغيير مفاهيم المضاربة إلى حيز الاستثمار الحقيقي من إصلاحات ضخمة لدرجة أنها لم تدع جانبا إلا وسعت لتحسينه.. ولكن مع ذلك، فقد اختلفت استجابة المتداولين في السوق، وتبلورت بإيجاز في التغير من فلسفة المضاربة في الخشاش إلى المضاربة في الأسهم الاستثمارية.. بعيداً عن أهداف الاستثمار متوسط وبعيد المدى، إن الاستثمار الثابت الآن في السوق لا يمكن وصفه إلا بقصير المدى، والذي يختلط بالمضاربة نتيجة تخلي المستثمر عن هدفه الاستثماري إلى أقرب ربح مضاربي.. فهل المشكلة في منهج المتداولين أم في غياب وعدم فهم كيفية الاستثمار في الأسهم أم أن السبب هو عدم الثقة في الشفافية أم عدم الثقة في قيام المتداولين الآخرين بالاستثمار أم أنهم لا يعرفون حقا كيف يختارون أسهم الاستثمار؟ ومع ذلك، فإذا كان سكان الداخل (المستثمرون المحليون) لا يعترفون بالاستثمار ولا يأخذون به.. فإن سكان الخارج (المستثمرون الأجانب من مقيمين وخليجيين) متمسكون به.. وعليه، فإن التساؤل الذي يثير نفسه.. ألا يخلق ذلك فجوة في الأرباح بعيدة المدى فيما بين المستثمرين المحليين والأجانب؟

الجيل القديم من المستثمرين يتحملون المسئولية:

استمرار الميل للمضاربة هو نتاج فكر تقليدي للجيل القديم الذي عاصر إنشاء سوق الأسهم المحلية منذ بدايته والذي اعتاد على العمل بفلسفة غير استثمارية وقد لا يمكن الحكم عليها بأنها حتى مضاربية.. فهي فلسفة خاصة بالسوق السعودي، تقوم على الربح من خلال عمليات سهلة وبسيطة تقوم على الاحتكار الذي يربح الجميع ولكن بنسب متفاوتة. إن الأمل في التغيير يتمثل في جيل المستثمرين الجدد الذي بدأ يدخل السوق منذ بداية 2007 .

خمول محللي الأسهم ومسئولية التحفيز إلى المضاربة:

قلما تجد محللا أو تقريرا إعلاميا يصدر عن تحليل اقتصادي عميق للسوق، بل يندر أن تجد من يتبنى فكرا تصحيحياً لتوجهات المتداولين نحو شركة أو مجموعة شركات أو حتى قطاع معين نتيجة أن الجميع يسايرون العصر ولا يرغبون في بذل الجهد.. فإذا استثنينا قلة من المحللين، نجد أن الجميع يحللون حركة المؤشر وتحركات القطاعات بعيدا عن المضمون الاقتصادي. إن ذلك يحفز المتداولين ناحية المضاربة لعدم طرح أفكار الحكم الاستثماري عليهم.

عدم حيادية شركات تقييم الأسهم:

رغم خمول المحللين في السوق المحلي، فإنه قد بدأت مؤخرا تطفوا على السطح شركات تقييم الأسهم، والتي غيرت بصدق من مسارات أسهم عديدة وخلقت لها قمما لم تكن متوقعة.. إلا ان هذه التقييمات أثير حولها جدل أكثر مما قدمت من تقييم، وخاصة أن تقييماتها لم تبن على أساس تحليل اقتصادي شامل أو بعيد المدى بدليل أن بعضها أعطت تقييمات مختلفة كثيرة لذات الأسهم خلال فترات زمنية قصيرة.

التحليل الفني ومسئولية الاكتفاء به:

أحد أبرز عوامل البعد عن المنهج الاستثماري في السوق هو اكتفاء المتداولين بمعطيات التحليل الفني، بعيدا عن التحليل الأساسي الذي يقوم على استشراف ليس مكررات الربحية فقط ولكن معدلات النمو أيضا.. فالمحلل الفني يتابع تاريخ حركة السهم في الماضي ويبني عليها تصوراته للمستقبل بجانب اعتبارات أخرى، ولكن التحليل الفني لا علاقة له بأوضاع الشركة ولا يوجد بين أضلاعه معايير للربط بالتغيرات الاقتصادية التي تحيط بهذه الشركة. ولما كان المتداولون مكتفين بهذا التحليل الفني، فإن تحركاتهم تبتعد عن المستجدات الاستثمارية لشركة السهم.

انفتاح السوق للأجانب سيجبر المتداولين على الاستثمار تدريجياً:

المستثمرون الأجانب وخاصة الخليجيين يمتلكون خبرات واسعة في الأسواق الدولية، تقوم أساسا على معايير استثمارية ومعايير صحيحة غالبا للاستثمار في البورصات، وبالتالي فإن دخولهم للسوق المحلي سيخلق نوعا من المسارات الاستثمارية التي ستؤثر شيئا فشيئا على المتداولين المحليين وتجبرهم على تبني ذات المعايير.

معايير الحكم على استثمارية الأسهم:

إذا كان فكر المتداولين تقليديا ومكتفون بالتحليل الفني، وإذا كان المحللون خاملين، وإذا كانت شركات التقييم غير حيادية.. فما هو الحل؟ وكيف يمكن الثقة في بناء قرار استثماري صحيح؟ وما هي معايير بنائه؟ إننا نحتاج إلى تقارير دورية تصدر عن جهات حيادية تقوم بإجراء دراسات تحليلية للاقتصاد الوطني وتربطها بدراسات تفصيلية تقوم ببناء سيناريوهات للأوضاع المستقبلية لقطاعات السوق وشركات الأسهم بها.. فما هي أبرز المستجدات على الساحة المحلية والعالمية التي يمكن أن تترك تأثيراً على مدى استثمارية شركات الأسهم المحلية؟.

أولاً: المعايير الخارجية:

(1) الأسعار العالمية للنفط

(2) الوضع الاقتصادي للاقتصاد الأمريكي

(3) حالة البورصات الخليجية القريبة

(4) الوضع السياسي بمنطقة الخليج

ثانياً: المعايير المحلية:

(1) اكتمال الإصلاحات وحدود انفتاح السوق للأجانب

(2) المشاريع العملاقة وبدء التنفيذ في المدن الاقتصادية الجديدة

(3) تحركات معدل التضخم المحلي

(4) أي تغيرات في سياسة ربط الريال بالدولار

(5) الشركات المتأثرة بفتح السوق المحلي أمام الشركات الأجنبية

(6) نجاح جهود الهيئة العامة للاستثمار في جذب كبار المستثمرين الرئيسيين

(7) الشركات المؤهلة للتصدير وغير المؤهلة للتصدير

(8) دراسة عميقة لتحركات النشاط التجاري المحلي من خلال حركة التراخيص وتأسيس الشركات

(9) دراسة عميقة لبقية السياسات المالية والنقدية المحلية

هذه العناصر وغيرها تحتاج إلى دراسة عميقة وبناء سيناريوهات علمية لأوضاعها في المستقبل لاستشراف مستقبل النمو للشركات، ومن ثم تحديد جدوى الاستثمار في أسهمها على المدى القصير أم المتوسط أم البعيد.

نظرة موجزة على قطاعات السوق:

يمكن استشراف الوضع المستقبلي بإيجاز لاستثمارية قطاعات السوق على النحو التالي:

أولاً: قطاع المصارف: هو قطاع يمتلك تاريخا قويا وسيولة هائلة متراكمة لا تزال هي أساس قوته في الحاضر، ولكنه قطاع يحتمل أن يكون من أكثر المتضررين من فتح السوق المحلي لاستقبال مصارف أجنبية ستضر به من خلال استقطاع حصص كبيرة من أسواقه، بل أن هذه المصارف فقدت كثيرا من المزايا الاحتكارية نتيجة عدم تنظيم بعض القطاعات في الماضي مثل سوق الأسهم.. ولا يوجد الآن ما يضمن أن أرباح الحاضر للبنوك لا تأتي من قوة الماضي.

ثانياً: قطاع البتروكيماويات: هو قطاع كانت حدوده في الماضي لا تزيد نسبة المكرر من خام النفط عن 8%، الآن هناك توجه لرفع هذه النسبة بلا حدود، وخاصة في ظل ارتفاع أسعار النفط التي تشجع على التصنيع، بل وتشجع على مزيد من الاستخراج من مناطق كانت بعيدة المنال سابقا. لذلك، فاحتمالات النمو في هذا القطاع كبيرة والاستثمار فيه هو ما بين المتوسط وبعيد المدى.

ثالثاً: قطاع التأمين: هو قطاع يمثل صناعة تبدو حديثة على الثقافة المحلية، إلا ان الشركات التي دخلت السوق مؤخرا يبدو أنها لم تدرس السوق جيداً، ولم تخطط له بالشكل الصحيح لدرجة أنه لا يوجد سوى قلة منها هي امتلكت القدرة على الصمود وعلى فهم السوق بشكل سليم، في حين أنه للمرة الثانية تنتكس العديد من شركات التأمين حتى وصلت إلى مرحلة التعثر.. لذلك، فإن مخاوف تحيط ببعض الشركات المدرجة بالسوق، وخاصة في ظل خسائر الشركة الأكبر فيه نتيجة أزمة الرهن العقاري.

رابعاً: القطاع الزراعي وقطاع التجزئة : هما قطاعان يعملان في ظل سياسة اقتصاديات الحجم بشكل يخلق أوضاعا شبه احتكارية، فلا يزال السوق الغذائي المحلي يعمل في ظل تكتل عدة شركات زراعية تقريبا هي المدرجة بالسوق. ولذلك، فالأوضاع غير الجيدة ماليا لها تبدو غير مبررة.. أما التجزئة، فهو قطاع يتحرك ناحية الاتساع، وسوف يعمل في ظل وضع أكثر احتكارية نتيجة إصرار الشركات الحالية والمتوقع وفودها على إغلاق السوق أو على الأقل حصر مكاسبه في وجه أي مخترقين جدد.. إلا ان هذين القطاعين قد يقدمان للمؤسسين أكثر مما يقدمان للمساهمين، وهذا موضوع يحتاج لكثير من البحث لمعرفة أسباب نجاح الشركة في السوق واستمرار اتساعها ومع ذلك استمرار الضعف في عوائد المساهمين فيها.

رابعاً: قطاعات التشييد والبناء، والتطوير العقاري وقطاع الأسمنت: فهي قطاعات واعدة وذات أنشطة مرتبطة، ويتوقع أن تتطور بشكل متسع باتساع الحركة العمرانية بالمملكة، والتي تتأثر جوهريا بتنفيذ المدن الاقتصادية الست الجديدة التي بدأ العمل فيها على قدم وساق. إلا ان مستقبل هذه القطاعات مرتبط أيضا بحجم وإمكانيات الشركات الجديدة التي ستدخل السوق، فعلى سبيل المثال هناك 10 شركات أسمنت جديدة في طور التأسيس الآن. وعليه، فإنه على المدى المتوسط، فإن الاستثمار في هذه القطاعات ذو جدوى اقتصادية مضمونة.

خامساً: الطاقة والمرافق الخدمية: هو قطاع مستقر النمو أكثر منه متزايدا، ولا يتوقع أن يحقق اتساعا أكبر من أوضاعه الحالية. فالكهرباء والغاز زيادة إنتاجهما عن الكميات الحالية قد تتسبب في أوضاع سلبية أكثر منها إيجابية لهذه الشركات... ولكن لا يزال الاستثمار المتوسط مجديا فيها، حيث إن احتمالات إيجاد بدائل لمنتجات الشركتين لا تزال قائمة ولكن على المدى البعيد.

سادساً: الاتصالات وتقنية المعلومات: هو قطاع استثماري على المدى القصير والمتوسط، ونفاذ منافسين جدد على الدوام يستقطع من حصص الشركات الحالية.

سابعاً: بقية القطاعات: تقوم معايير الاستثمار فيها على مدى الوضع الاستحواذي للنشاط أو للشركة في السوق، واحتمالات دخول منافسين جدد، وهل هؤلاء المنافسون ينتمون لشركات محلية أم أجنبية، ومدى ارتباط نشاط هذه القطاعات بتوجهات الحركة الاقتصادية بالمملكة.

إن الأمر بصدق يتطلب مزيدا من التفاصيل والعمق الذي لا تتسع له صفحة واحدة تنشر في جريدة، أو حتى داخل بحث وحيد، وإنما تحتاج إلى فرق بحثية تقوم على تحليل وربط كافة المتغيرات وآثارها المحتملة على استثمارية شركات الأسهم. مع ذلك، فإن البحث الموجز يؤكد على أن هناك قطاعات واعدة سوقيا وأن الاستثمار متوسط المدى فيها يبدو مجديا ولا غبار عليه. بل ان عدم اعتماد فلسفة الاستثمار متوسط المدى فيها يتسبب في ضياع فرص ربحية مؤكدة على المتداولين المحليين، بل ان حجم خسارة الاقتصاد الوطني يمكن أن تكون أكبر لو فطن المستثمرون الأجانب لهذه الفرص وجنوا ثمارها، تلك التي سيتم بأي حال تحويل قيمتها المضافة لاقتصاديات أخرى مع الزمن.

محلل اقتصادي


Hassan14369@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد