أحداث الحادي عشر من سبتمبر تمر مرة أخرى على المملكة، ليس بسبب اشتراك عدد من السعوديين في تفجيرات نيويورك وواشنطن كما حدث عام 2001م، لكن هذه المرة بسبب ارتفاع أسعار النفط.. فالمملكة تعاني خلال الأشهر الماضية من إساءات متعمدة إلى صورتها الدولية،
وتتعاون في ذلك جهات مختلفة - وتحديداً - داخل الولايات المتحدة الأمريكية من أجل النيل من سياسات المملكة النفطية، وتحميلها وزر هذا الارتفاع الكبير في أسعار النفط.
ولا شك أنه سيحدث ربط مباشر بين القلاقل والمظاهرات التي تجوب بعض عواصم ومدن العالم بالمملكة، حيث سيتم تحميلها مخاطر انزلاق الاقتصادي العالمي وضعف المؤسسات المالية والنقدية في دول العالم، نتيجة هذا الارتفاع الذي يؤثر على مجمل الحياة الاقتصادية لكل سكان الكرة الأرضية. والمراقبون المنصفون يعلمون أن وراء هذا الارتفاع أسبابا أخرى خارجة عن نطاق دور منظمة أوبك، وهي لا تتعدى مضاربات سعرية في أسواق النفط العالمية. ومن هنا فإن المملكة العربية السعودية تحتاج من الآن إلى البدء في حملة علاقات عامة عالمية في كل مناطق العالم للتصدي للتغطيات السلبية التي بدأت تقذف بها وسائل الإعلام العالمية من كل صوب، وبدأت هذه الوسائل تتلقف تصريحات سياسيين وأعضاء في الكونجرس والبرلمانات والمؤسسات الاقتصادية وتنشرها على أنها حقائق وتحليلات موضوعية.. وهناك جهات ومؤسسات وأحزاب تعمل على تشويه صورة المملكة في العالم، وتحميلها تردي الأوضاع الاقتصادية في العالم، بما فيها الأوضاع الاقتصادية في الولايات المتحدة الأمريكية.
ونحن في المملكة نتذكر جيداً ما حدث بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر من ربط مباشر بين المملكة ومنفذي الهجمات من الجنسية السعودية، وكيف أن ذلك أدى إلى تشويه متعمد لصورة بلادنا حكومة ومؤسسات ومواطنين في العالم، وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية.. وقد عانينا كثيراً من هذه الوضعية، وأصبحنا في موقف دفاعي مستمر عن مواقفنا وسياساتنا ومناهجنا ومواطنينا.. وأتمنى أن ندرك من هذه اللحظة أننا فعلا نحتاج إلى دور إعلامي على مستوى عالي من المهنية تتزاوج فيه العقول السعودية مع الحرفية الإعلامية الدولية في مؤسسات وشركات علاقات عامة في مختلف مناطق العالم (الولايات المتحدة، وكندا، أوروبا، آسيا، وحتى في العالم الإسلامي والعربي).
ومن يتابع حركة الإعلام النفطي في بلادنا يلاحظ أنها دون المستوى المطلوب في وضعية متأزمة جداً، فلا تعدو أن تكون تصريحات أو مؤتمرات داخلية تعكس ردود فعل مؤقتة وتتناولها وسائل الإعلام كمشاهد سلبية - أحياناً- عن علاقتنا المباشرة بدفع أسعار النفط إلى الأعلى.
لقد تخلصنا -إلى حد معين- من تبعات الحادي عشر من سبتمبر بعد سنوات طويلة، وقد كان تحركنا متأخراً كثيراً بعد أن رسخ الإعلام العالمي صورة عن ارتباطنا بالإرهاب، واضطررنا أن نتحرك متأخرين في تحقيق هدف الدفاع عن مؤسساتنا الوطنية.. ولهذا فإن الوقت قد حان فعلاً أن نتحرك اليوم قبل غد في إطلاق حملة عالمية عن الدفاع عن السياسة النفطية للمملكة، وعن دورها القيادي في دعم الاستقرار الاقتصادي العالمي.
وقد لا تبدو الوضعية الحالية للبعض على أنها تشكل أزمة، ولكن في نظري وفي نظر كثير من أهل الاختصاص الإعلامي أنها بداية حقيقية لأزمة كبرى تنال صورتنا في العالم.. ولا شك أن تداعيات الحادي عشر من سبتمبر كان أثرها واضحاً في مناطق معينة في العالم، وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأوروبية، ولكن هذه الأزمة قد تتوسع لنواجه بصورة سلبية وصورة مشوشة من كثير من دول العالم، بما فيها الدول النامية والدول الصغرى. وعندما تفقد بعض الدول استقرارها السياسي والاقتصادي فلربما تتجه الأنظار إلى بلادنا كطرف في هذه المعادلات الجديدة في السياسة الدولية.
وهناك أمور كبيرة تحتاج الحملة إلى توظيفها من خلال جهود ومبادرات عالمية تتبناها المملكة في هذا المجال، حتى تصبح قوة مبادرات عالمية تسعى إلى تهدئة الحراك الإعلامي والاقتصادي العالمي الذي يتجه سلباً إلى بلادنا.
وأخيراً، فيجب أن نتذكر أن درهم وقاية خير من قنطار علاج.. ولهذا فاستثمار حكيم في مجال الإعلام الدولي لتفكيك سوء فهم أو مغالطات متعمدة من سيناريو الربط والتشويه من شأنه أن يؤدي إلى تفادي أزمات قادمة قد نضطر فيها إلى دفع مبالغ أضخم وبذل جهود أكبر في هذا الاتجاه.
المشرف على كرسي صحيفة الجزيرة للصحافة الدولية أستاذ الإعلام المشارك بجامعة الملك سعود
alkarni@ksu.edu.sa