يوم الخميس.. توجهت في ذهول من أمري إلى مستشفى الحرس ودخلت العناية المركزة وأنا أسأل عن أمي رأيتها محاطة بأجهزة عديدة.. كذبت عيني وبدأت أتحسس يديها ورجليها علّها تشعر بي لملمت جراح قلبي وأخذت أقرأ عليها بدأت بسورة يس وعندما وصلت لآية قال تعالى {قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ} شعرت بهاتف يهتف بأن أمي هي من تكلمني.. تابعت القراءة وإذا وصلت عند آية رحمة أو مغفرة للمؤمنين وقفت ثواني لأدعو لها أن تكون منهم وينجيها الله من هذا المرض.. تابعت وأنا أشعر بأنني أول مرة أقرأ القرآن أول مرة استشعر بآيات الله فجأة ازدادت الحركة في الغرفة فعرفت بأن الكلى توقفت عندها ازدادت دموعي فاعتصرت الحزن بداخلي تابعت القراءة دخلت الساعة الثالثة عصراً توقف قلب حبيبة قلبي لثوان حضر طاقم صحي كامل فوقفت بقرآني أمام ستارتها وأنا ألهث بالدعاء لها.. بعد دقائق خرجوا جميعاً وقالوا الحمد لله الآن رجع الضغط إلى معدله الطبيعي حمدت الله وعدت بكرسيِّ أمامها تذكرت حرصها على أكلي وشربي.. تذكرت حنانها وعطفها عليّ.. وتذكرت سؤالها الدائم عن دراستي.. تذكرت حبها وسؤالها الدائم عن صديقاتي ومحبتها لهن.. سلسلة مرت في ذهني كالبرق ترعد بقلبي فتهطل دموع متوالية.. عندها أوشكت على الانهيار وإذ بوحي من الله يلهمني الصبر ويذكرني بأن الصبر عند الصدمة الأولى ويذكرني بأنها محتاجة لي الآن أكثر.. أخذت عهداً بأن أقوي نفسي إذا خارت قوى إخوتي أعزي نفسي بأنها إلى جنان الخلد راحلة.. دخلت الساعة الخامسة عصراً حضر أخي الكبير كانت متعلقة به كثيراً.. سألني عنها قلت: الحمد لله الآن أحسن.. فجأة شعرت بأن ملك الموت معنا في الغرفة ازداد شعوري بذلك فأدركت بأنها حلت ساعة القدر أخبرت إخوتي الثلاثة عبدالله وعبدالعزيز وسلطان وقويت من عزيمتهم بأننا الآن يجب أن ندعو لها نلقنها الشهادة جلست عند رجليها وأنا أرفع يديّ للرحمن الرحيم أن يهون عليها سكرات الموت دعوت الله أن تستقبلها ملائكة الرحمة بالروح والريحان الآن دعوت الله.. وأبكي وأدعي وأكرر يا رحمن يا رحيم يا رحمن يا رحيم.. توجهت إلى رأسها مسرعة ورددنا جميعاً بصوت واحد أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله.. ازداد وأسرع نفسها الطاهر إلى أن رفعت سبابتها.. رحمك الله يا أمي رحمة واسعة وأسكنك فسيح جنانه.. فلقد كنتِ خير زوجة مطيعة لأبي -حفظه الله- وكنتِ نعم الأم الصالحة التي ربت وتعبت وسهرت.. زرعت فينا الخلق الطيب وإن شاء الله تحصد ثمار عملها الخالص في الفردوس الأعلى.. فالجميع يدعو لها الجميع يشهد لها بحسن الجوار يذكرها بالخير فلقد غسلتك يا أماه وكفنتك وصليت عليك وقلبي يتقطر حزنا ودمعاً وألماً.. كتمت ما في نفسي وأنا أشد الناس شوقاً وحباً لك.. لقد أغلق بعد صلاة الجمعة باب من أبواب الجنة.. ثبتك الله يا أماه وتقبلك قبولاً حسناً وجعل منزلك في الفردوس الأعلى من الجنان ومثلما فرق بيننا الموت في دنيا فانية يجمعني بك في جنة باقية وحياة خالدة على سرر متقابلين رحمك الله وغفر لك.