زاوية تهتم بكل ما يتعلق بالطب النفسي والتنمية البشرية
وتطوير الذات.. نستقبل كل أسئلتكم واقتراحاتكم.
***
أحدثك عن نفسي أولاً: هادئ جداً، أحب التأمل والوحدة والقراءة كثيراً، يقولون إن لدي عقل كبير مقارنة بسني، طموح ولدي أفكار لا تخطر على بال خصوصاً في مجال السيارات بحكم شغفي وحبي الكبير لهذا المجال لكن إرادتي ضعيفة بسبب المشكلة التي أكتبها لك في الأسفل: باختصار مشكلتي هي عدم التأقلم إذا صح التعبير أو ما تسمونه أنتم اضطراب التكيف والله أعلم، لذا أعطيك بعض الأشياء وأنت تحكم من علمك وخبرتك، أنا لا أحب المسؤوليات ولا أريد أن يتحكم فيَّ شيء، أريد أن أكون حر نفسي وأعيش كما أريد، كما أني كسول في الحياة الاجتماعية خصوصاً المناسبات أكره الحضور إليها علما أنني لا أعاني من فقدان الثقفة بالنفس بالعكس أنا متحدث ممتاز بالنسبة لعمري (23 سنة) كما أن مزاجي يضطرب أحياناً بشكل سريع وأريد وقتها بشدة أن أكون وحيداً، لذا لا أفكر أن أعقد صداقات على الأقل حالياً، لدي طموح وأريد أن أكون شخصاً عظيماً لكن أبسط المسؤوليات تحبطني، أضرب لك مثالاً واقعياً: مثلاً وظيفتي صحيح أنها في نفس مكان إقامتي وراتبها جيد لكنها ليست في مجال تخصصي، كما أنها وظيفة حضور وانصراف وعدم إمكانية تطبيق الأفكار والتجديد، أشعر أن الوظيفة كالسجن حتى لو كان راتبها ضخماً لا يهمني، وبالمناسبة أنا مؤمن بجملة قالها أحد المتخصصين بتنمية الذات حيث قال: (إذا كان عملك هو هوايتك فالنجاح والمتعة مضمونة).
* أخي الكريم.. دعني ابدأ من حيث انتهيت أنت وأعني بذلك أن يكون عملك هو هوايتك، الحقيقة أن الدراسات المهتمة برفع الإنتاجية والأداء في العمل كثيرة ولعلي أذكر هنا أحد المفاهيم الحديثة في هذا الجانب وهو ما يعرف بمفهوم (الانسيابية).. والانسيابية هي حالة ذهنية بالدرجة الأولى عندما يصل لها الشخص يتحول الأداء العالي في العمل لديه إلى متعبة حقيقية لا يعشر معها بمرور الوقت تماما كما لو كان يمارس إحدى الهوايات التي يحبها.. وسأضرب لك مثالاً يوضح ما أقصده: بعض الذين يمارسون لعبة الورق الشهيرة لدينا (البلوت) عندما تسألهم عن الوقت الذي أمضوه في اللعب تجد الكثير منهم لا يشعر بمرور الوقت بل يتفاجأ إذا عرف الوقت الحقيقي الذي مضى وهو مستغرق في اللعب.. هذا هو المقصود بحالة الانسيابية الذهنية أي الاستغراق أو السلطنة في الأداء بشكل لا يشعر معه الشخص بمرور الوقت. وللوصول إلى هذه المرحلة في الأداء يتطلب الأمر في العادة جانبين مهمين.. الأول هو القناعة بطبيعة وأهمية عملك وشغفك به، والثاني هو وجود رغبة متواصلة في التطور والرقي ومواجهة التحديات، وبذلك فكلما ارتفعت درجة الصعوبة زاد الأداء بشكل متوازي مع ذلك حتى الوصول إلى درجة معينة من الأداء الفعال الذي قد يراه الآخرون منهكاً ومتعباً بينما يستغرق صاحبه في حالة من الانسجام والإشباع الذهني أو الانسيابية الأدائية.
خبراء تنمية الذات يقولون أيضاً: (أحب ما تعمل حتى تعمل ما تحب بعد ذلك).. وأعتقد أن هذا المفهوم مهم للكثير من الشباب في مجتمعنا لأنهم للأسف يضطرون لدراسة مجال لا يحبونه أو غير مقتنعين به ثم من يسعده الحظ منهم بعد ذلك ويبدأ بفهم وحب ما تعلمه يتخرج ليجد نفسه في وظيفة ليس لها علاقة بمجال تخصصه فكيف نتوقع بعد ذلك أن يكون مستوى الإنتاجية لدينا!!!
نصيحتي لك أخي العزيز خصوصاً وأنك مازلت بمقتبل العمر أن تبدأ من الآن باقتطاع ولو جزء بسيط من راتبك حتى يتوفر لديك مبلغ معقول تبدأ به بعد ذلك مشروعاً ولو صغيراً جداً له علاقة بالمجال الذي تحبه، يمكنك أيضاً دعم مشروعك من خلال موقع على الإنترنت وهناك كثير من الشركات الإعلانية المتخصصة في هذا المجال يمكن أن تساعدك، تذكر دائماً أن الإنجازات الكبيرة بدأت بخطوات صغيرة وأن هناك من قضى سنوات طويلة في مجال لا يجد نفسه فيه لكنه بالتخطيط بعيد المدى حقق ما يرغبه بعد ذلك - بتوفيق الله- بهذه الطريقة أيضاً ستبدأ باستشعار أهمية دخلك وعملك الحالي كونه الممول الأساسي لمشروع الحلم وسيساهم ذلك - باذن الله- في كسر حدة المملل الذي تشعر به.
تقول أيضاً يا صديقي إن إرادتك ضعيفة وهذا لفظ تعميمي فالإرادة موجودة داخل كل منا لكننا نحتاج أحياناً لشحذ هممنا بواسطة تغيير السلوك أولاً... مثال ذلك: يصحو أحدنا من النوم وهو ما زال يشعر بالنعاس والكسل ورغبة أكيدة في العودة إلى الفراش وبذلك يستنتج أنه لا يملك إرادة العمل فيعود للنوم، وهكذا تمر ليلة بعد أخرى وهو يمارس نفس السلوك ولديه منطق يقول: عندما أصحو من النوم ولدي إرادة للعمل وليس للعودة للفراش عندها فقط سأذهب للعمل، والنهاية خطاب فصل واستغناء عن خدماته. في المقابل يشعر شخص آخر بنفس الشعور لكنه يضغط على نفسه ويصحو من الفراش رغم عدم رغبته في ذلك وبعد مرور 15 دقيقة يشعر أنه ما عاد يرغب في العودة للفراش وأنه الآن يمتلك إرادة حقيقية للذهاب للعمل... من الذي سبق الآخر هنا الإرادة أم السلوك؟؟ بالتأكيد السلوك ولذلك فالسلوك هو الذي يصنع الإرادة وليس العكس.
حاول أن تغير من نمط سلوكياتك ولا تستسلم لروتينك اليومي، اخلق لديك سلوكيات جديدة ومفيدة ستتحول بعد ذلك إلى عادات يومية وستكتشف أن الله سبحانه وتعالى قد أنعم عليك ككل البشر بإرادة قوية وحديدية تنتظر فقط من يضغط زر التشغيل الخاص بك وهو تغيير السلوك. وفقك الله.
فتوى كبار العلماء في الوسواس القهري:
أمي سيدة كبيرة في العمر ومنذ سنوات وهي تعاني من وسواس شديد في الطهارة والصلاة.. للأسف حالتها في الفترة الأخيرة تردت كثيراً، أصبحت تقضي ثلاث أربع ساعات في الوضوء للصلاة وترفض أن يدخل معها أحد، تكرر تكبيرة الإحرام أحياناً أكثر من 30 مرة مع العلم أننا حاولنا معها كثيراً للذهاب إلى طبيب نفسي لكنها ترفض بشدة، وسبق أن زارنا بعض المشائخ للقراءة عليها في البيت، نحن يا دكتور عائلة متعلمة ونعرف دور الطبيب النفسي خصوصاً وأن لنا قريبة أيضاً سبق أن أصابها وسواس وتعالجت منه ولكن أمي تصر على أن ما فيها لا يعالج بالأدوية، ماذا نفعل يا دكتور وكيف نقنعها؟
* أختي الكريمة..أولاً أسأل الله الشفاء العاجل لأمك وأعلم أنكم تعانون - أعانكم الله- كثيراً معها، والاقتناع بالذهاب إلى طبيب أيا كان تخصصه بالنسبة لكبار العمر أحيانا لا يكون بالأمر السهل فما بالك بالطبيب النفسي.
أقترح أن تشرحي لها في وقت ترينه مناسباً وبطريقة بسيطة تستطيع أن تستوعبها أن منهج المسلم في العلاج هو التوكل على الله سبحانه وتعالى أولاً ثم بذل كل الأسباب والطرق التي تؤدي إلى الشفاء بإذن الله تعالى.. ولعلي أنقل لكم هنا جواباً للجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية (فتوى رقم 7654) على سؤال عن الوسواس حيث جاء فيه: (ادفع عنك الوساوس والخواطر الخبيثة واستعذ بالله منها وأكثر من ذكر الله وتلاوة القرآن ومخالطة الأخيار، وعالج نفسك عند دكتور الأمراض النفسية والعصبية، واتق الله ما استطعت والجأ إليه في كل ما أصابك ليكشف عنك الغمة، ويزيل ما بك من الكرب).
يتضح من ذلك أن زيارة الطبيب النفسي وطلب العلاج النافع عند الإصابة بمرض الوسواس القهري لا يتعارض أبداً مع التوكل على الله والصبر على المصاب واحتساب الأجر في ذلك بل هو مكمل لكل هذا.. وليس من منهج الإسلام أن يهمل الإنسان نفسه أو يستغنى عن وسائل علاجية نافعة يسرها الله سبحانه وتعالى بقدرته له، علما أن أحد أهم وسائل علاج الوسواس القهري الحديثة هي ما يسمى بجلسات العلاج النفسي السلوكي حيث يتم تدريب المريض على التوقف عن الاستجابة للأفكار الوسواسية وإيقاف الأفعال والسلوكيات القهرية المصاحبة لها شيئاً فشيئاً إلى أن تعود السيطرة له من جديد وتلاشي هذه الأفكار بإذن الله. فالأمر إذاً لا يقتصر على الأدوية وحدها لعلاج هذا المرض.
اسأل الله أن ينفع بهذه الإجابة وأن يكتب الشفاء من الأسباب.
إضاءة:
عندما تبدأ بإدارة عقلك وأفكارك بنجاح ستبدأ ببسط نفوذك على حياته وإدارتها بفعالية.
دكتوراه في الطب النفسي
كلية الطب ومستشفى الملك خالد الجامعي - الرياض
E-mail:mohd829@yahoo.com