قيل قديماً: الجالس لا يسقط؛ فهو قد ارتضى لنفسه البقاء جالساً ومنتهى طموحه أن يجلس مرتاحاً متأملاً الراكضين نحو آفاق المجد والنجاح، لكن في ظني أن هذا الجالس لا يلبث أن يلمح ويبصر نجاحات الجادين المهرولين نحو منافذ الرزق المشروع؛ فتلفه خيبات الأمل وآلام الجلوس المريح المزمن؛ فيأخذ بوصم هؤلاء الناجحين بما لا يليق بمثابرتهم وإنما في الحقيقة يلائم إحساسه بالضمور العقلي والحسي أمام قاماتهم وهممهم العالية.. ولم أرَ أو أسمع حاسداً يحسد القاعدين، وإنما تحسد الأنفس والألسن والعيون من دأبوا على السمو والتحليق في فضاءات المعالي والنجاحات المتتابعة في علاقاتهم وميادين عملهم، وفي كل المهام الموكلة إليهم.. ومن علو الهمة كذلك، وما يزيد هذا النجاح أن تجد هذا المحسود من الآخرين يتغافل ويصد صدوداً حسناً عمن تحدثوا ضده محرقين أنفسهم بنار حسدهم وغيظهم، وتقول العرب: التغافل تسعة أعشار حسن الخلق، وقال شاعر عربي: (ليس الغبي بسيد قومه لكن سيدهم المتغابي)!!
ووجدت من فوائد تجاربي (قديمها والحديث) أن إطفاء حسد الحاسدين والحاقدين يكون غالباً بالصدود عنهم والتجمل الحسن على اعتبار أن لكل كتاب عنواناً، وكل إناء ينضح بما فيه، ولو أن كل حاسد وحاقد يتم الرد عليه بنفس أسلوبه ومنهجه إذاً لاستعرت نيران الهمجية والدونية، غير أن عقلاً راجحاً واحداً يعدل في أحيان كثيرة آلافاً من العقول المضطربة.