لو أن للمشكلات لساناً تتكلم به لاتهمتنا أننا لا نتركها لحالها قابعة في أماكنها دون أن نتعرض لها، وهذا هو منطق الحال الذي قد يراه البعض غريباً؛ فالمشكلات التي نتهمها دائماً بأنها تصادفنا في حياتنا، وتنغص علينا معيشتنا، لا تختارنا ولا تأتي إلينا...
... إنما نحن الذين نختارها ونذهب إليها طواعية، ونبحث عنها بكل ما تحمله نفوسنا من طموحات أو رغبات في الوصول إلى مكانة نريدها، وعليه فالملام عند وجود المشكلة هو رغباتنا ونزواتنا وما تهواه نفوسنا وركضنا المحموم لتحقيق أهدافنا، خصوصاً عندما لا تهتم الظروف بغاياتنا، ولا تعيننا قدراتنا وإمكاناتنا، ولا يحرص الناس على مساندتنا.. وعلى أية حال بنفوسنا التي تتجدد وتتغير في رغباتها، وأحلامنا التي تكبر مساحاتها، ستتجدد أيضاً المشكلات التي نختارها ونذهب إليها بمحض إرادتنا، والتي ينصحنا العارفون وأهل الرأي بالتعلُّم منها لمستقبل حياتنا..
من المؤكد أننا نتعلم من المشكلات، هذا أمر لا يختلف عليه أحد، الاختلاف في أننا لا نتعلم من المشكلات ما ينفعنا فقط، بل نتعلم منها أيضاً ما لا ينفعنا بل يضر بمستقبل حياتنا؛ فالمشكلات لا تعلمنا فقط ما نعتقد أنه سيكون في صالحنا ليعيننا على تصحيح أوضاع مررنا بها أو تعديل سلوك أثبتت التجربة عدم نجاعته أو مواكبته لحدث ما، لكنها أيضاً تعلمنا صفات لم تكن فينا كأن نكره أو نحقد أو نبقي في نفوسنا شيئاً غير محمود ينعكس على تعاملاتنا المستقبلية.. نعم، المشكلات تولد فينا هذا وذاك، وتحفز فينا بواعث أمور محمودة وغير محمودة، فقد تذهب إلى مشكلة لأنك تحدثت في أمر ما بصدق ووضوح، فتتعلم في المرة القادمة أن تخفي في نفسك هذا الصدق والوضوح حتى لا تتكرر المشكلة، ومع الوقت تعتاد أن تظهر للناس غير ما تود أن تقول، فتكون المشكلة بذلك قد حرفتك عن طبيعتك وفرضت عليك أن تتعلم كيف تجامل كثيراً، ثم ترتقي لتنافق كثيراً، حتى تنتهي لأن تصبح من أكبر المداهنين.
الذين لا يريدون المشكلات عليهم أن يتخلوا عن رغباتهم وطموحاتهم وأحلامهم.. وهذا أمر لا يقدر عليه إنسان.. والله المستعان.
* naderalkalbani@hotmail.com