منذ دعا خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله ورعاه- إلى ما يمكن تسميته الثورة الإصلاحية، ومع مرور السنوات بما حفلت به من تطورات وأحداث، وهو لا يزال يرقب عملية الإصلاح، ويعلي من شأن الفكر، ويتعهد الإبداع والتواصل بكل قوة ويقين. ويأتي المؤتمر الإسلامي العالمي الذي أقيم في مكة المكرمة تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- ليؤكد على الثوابت الفكرية، وعلى صدق التوجه نحو العالم بعقول وقلوب مفتوحة، سلاحها الإيمان الخالص، والرؤية السليمة، والقيم النبيلة، والأهداف العلمية الجلية، وكل ذلك جوهر ديننا الإسلامي الحنيف.
نعم لقد انتقل -حفظه الله- من مرحلة خدمة الإسلام والمسلمين والبشرية، إلى مرحلة تحقيق التعاون والاستقرار العالميين، وهو في ذلك يدرك تماماً أنه لا مجال لسلام عالمي واستقرار إنساني يمكن الدفاع عنها وحمايتها إلا بالتواصل بين الأمم والشعوب، خصوصاً وأن معظمها من أهل الرسالات، بغض النظر عما آلت عليه الأمور نتيجة لسلوكيات متراكمة غلب على بعضها طابع الشر.
إن المسلمين قادرون على توظيف رصيد هائل من الحضارة الإسلامية التي كان لها الدور الأكبر في صناعة حضارة وتاريخ العالم الحديث، وهذه الحضارة التي نشأت تحت مظلة العقيدة السمحاء خير دليل على حيوية هذه العقيدة ومقدرتها على الاستيعاب والإبداع.
إن المصالح العالمية كلها تقتضي بيئة إنسانية سليمة، كي يتم الحفاظ عليها، وتطويرها، وما عدا ذلك فإن هذا العالم سوف يمضي قدماً إلى ساحات الصراع في ظل خلل رهيب في موازين القوى بين الأمم المختلفة. هذا يعني أن الانفتاح الحقيقي يجب أن يقترن بحوار حضاري، يسبقه تمهيد وإرهاصات، يمكنها تثبيت مناهج وأسس الحوار السليم، وهو ما يقوم به خادم الحرمين الشريفين من خلال هذه الجهود المحلية، والإقليمية، والعالمية، في سبيل الوصول إلى حياة معاصرة كريمة تقوم على أساس الاحترام المتبادل بين الأمم، وتشترك في صناعتها كافة القيادات الدينية والسياسية والإعلامية والتربوية بل والاقتصادية قبل كل هذا.
لو أنه كان هناك ذاك الحوار المرن السليم بيننا نحن المسلمين وبين أوروبا على سبيل المثال لما كانت تلك الإساءات لديننا ورسولنا عليه الصلاة والسلام من قبل بعض الجهلة المتعصبين، لو كان مثل ذلك الحوار لما ارتضت تلك الدول أن يكون فيها منبر يسيء إلى رسالة سماوية هي خاتمة الرسالات، وإلى نبي كريم هو خاتم الأنبياء والمرسلين.
فالتحية كل التحية لخادم الحرمين الشريفين، ولولي عهده الأمين، على هذا التوجه الحضاري الأصيل نحو بناء جسور من الثقة الخالصة مع الأمم الأخرى تؤدي في النهاية إلى خدمة الإنسانية. الذين يغارون على هذا الدين مطالبون اليوم أكثر من أي وقت مضى بالدفاع عنه، ليس بالتهجم والشتائم، ولكن بالوقوف وراء جهود خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين، تلك الجهود التي لا يستطيع شيء غيرها بعد رحمة الله تعالى أن يوصلنا إلى بر الأمان.. وتاليتها؟!!