قبل نحو أسبوعين هجمت رؤية الباحث الأمريكي (غاري نيلر) كذئب علينا، إذ ألفيناه يود، ويأمل ويهيب ويرجونا فيها أن نحجم دور المرأة، ونقلص المرأة، ونقلص مهامها، ونجعلها تعود من حيث أتت إلى البيت، أو خلف الشياه، أو الإبل، أو جلب الماء، على حد زعمه، ووفق تصوره، فالباحث (نيلر) يعتقد أن المرأة لدينا تحن إلى العودة إلى شيء لم تخرج منه أصلاً، فهو لم يزر المملكة حتى الآن ليقف على حقيقة الأمر، فهو يدعي أنه قد حان الوقت الآن لأن تجابه حقوق المرأة لدينا بالرفض، والمماطلة لكي تعود إلى رشدها وتترك المنافسة الحامية مع الرجل، من أجل اقتسام المهام التي يتصدى لها الرجل، والواجبات التي تقع على كاهله.
فقبل أن نخوض في كنه ما ذهب إليه السيد (نيلر) الذي يطالب بأن يرشد دور المرأة، ويحجم وجودها في سوق العمل، من أجل البيت وتربية العيال والطبخ بلا نفخ وفق الوسائل الحديثة، وبمساعدة الخادمات المدربات، أو البنات العاطلات عن العمل.
ما يثير العجب أن المرأة منذ عقود كانت تصعد الجبال خلف الدواب، وتنزل إلى الشارع تبيع الخضار، وتحتطب في الخلاء، وتجني ثمار المزارع في شمال الوطن وجنوبه، وفي شرقه تخلص للبحر، وتنذر نفسها للعمل الشريف جنباً إلى جنب مع الرجل، وفي غربه لا يختلف الأمر لدى المرأة، لنراها بارعة في أداء رسالتها الإنسانية داخل البيت وخارجه، فهي تقف إلى جانب الرجل باحتشام غير مفتعل، لتقدم ما يناط بها من مهام وواجبات.
أما أمر الباحث الخبير (غاري نيلر) الذي يود أن تكون المرأة في بيتها، خادمة للرجل وعياله وضيوفه وجيرانه، فأنا هنا وإن كنت أعارضه في فرضية أن تعود إلى بيتها بعد هذا الخروج الكامل إلى سوق العمل، فإنني أوافقه على حيثية مهمة تتعلق في فشل مشروع المرأة العملي- المحدود- لدينا نظراً لعدم جديتها، ولتواضع طرحها، فلم تقدم منذ سنوات ما قد يسجل في صالح إنتاجها العملي، باستثناء الحقل التعليمي الذي لا يكلفها أي شيء، وإذا ما استثنينا أيضاً تجربة قلة قليلة من النساء الرائدات في حقل الطب، وفي بعض العلوم الإنسانية.
إلا أن الواقع الأليم الذي توصل إليه الباحث (نيلر)- وأوافقه عليه- أن المرأة في كل العالم شرقه وغربه وجنوبه وشماله لا يمكن أن يركن إلى تجربتها، ويأخذ طرحها العملي على محمل الجد؛ لأنه حينما يتاح لها العمل الآن في بعض القطاعات فإنها لا تخرج عن دائرة (النسوان) تلك التي تمسح الجوخ للرجل حينما يكون رئيساً لها، وتثرثر وتقفز على الحواجز، وترقق الصوت، وتعبث بمشاعر الرجل صاحب القرار، حتى أنها قد تتحول إلى أفعى بين يوم وليلة حينما تهم في مشاكسات مألوفة في حياة الوظيفة، فتدخل كل إدارة يوجد فيها نساء بين قيل وقال وكثرة السؤال، وفي النهاية تدير المرأة الأكتاف إلى جهة أخرى، ويا قلب لا تحزن.
فالمرأة بحق غير ملامة في هذا التوجه حينما تجد من يدافع عنها بطريقة عمياء، بل ويتحدث باسمها، ويدعي الدفاع عنها وعن حقوقها، فهي الأجدر بأن ترتب أوراقها، وتتعهد أمرها بنفسها، وتتجرد من وسائلها الأنثوية المستهلكة إذا ما أرادت أن ينصف العالم جهدها، ويستقطبها في الحياة العملية.
hrbda2000@hotmail.com