لقد انعقدت الندوة العلمية عن جلالة الملك فيصل - رحمه الله - وقد تحدث المحاورون عن عدد من جوانب حياة الملك الصالح فيصل - رحمه الله - ولكني لاحظت قلة المتناولين لحياته الأسرية النموذجية، فأحببت ذكر شيء من ذلك، والمتمثل بالترجمة لإحدى نسائه العظيمات، وهي سمو الأميرة عفت؛ فهي عفت بنت محمد بن سعود بن عبدالله بن عبدالله بن إبراهيم بن ثنيان بن سعود بن محمد بن مقرن. ولما كانت الحملة التركية على نجد أجلوا كثيراً من أسرة آل سعود لتركيا، ومنهم أبناء آل ثنيان، وقد توفي والدها في إسطنبول، وقد ولدت في إسطنبول عام 1336هـ، تقريباً، وتعلمت في مدارسها إلى الثانوية العامة، وتعلمت اللغة العربية والتركية وعدداً كبيراً من العلوم الشرعية النافعة، فقد حفظت أجزاء من القرآن والأحاديث النبوية وغيرها، وكانت مثالاً للذكاء والحفظ وحب العلم والتعلم، وكان أخوها الشقيق الأمير زكي هو المعين لها على التعلم والتحصيل، ثم إنها ذهبت لمكة المكرمة للحج، ومعها عمتها (جوهران) أو (الجوهرة) عام 1931م، وفي الزيارة الثانية كانت معها والدتها، وخلال تلك الزيارات اتصلت بعدد من أفراد أسرتها آل سعود للسلام عليهم، وخلال ذلك تعرّف عليها عدد من نساء الأسرة المالكة فأعجبهم ديانتها وفضلها فتقدموا لخطبتها للأمير فيصل (آنذاك)، فوافق أهلها فتزوجته عام 1350هـ - 1932م، حينما كان نائباً للحجاز ووزير الخارجية، فكانت - رحمها الله - نعم الزوجة، فأولت تعليم بناتها سمو الأميرات أهمية خاصة في تعليمهن، فكان في قصر الأمير فيصل قسم خاص لتعليم البنات، وكان يشرف عليه بعض المعلمات من مصر وسوريا وغيرها، ثم أسست مدرسة خاصة لبناته ولبنات الأسرة الملكية أسمتها المدرسة النموذجية في مدينة الطائف عام 1366هـ - 1944م، وكان عدد الطالبات قليلاً جداً، وكان يدرس فيها عدد من العلوم المتنوعة، ثم أُقفلت هذه المدرسة، فكانت تقوم بتعليم بناتها وعدد من بنات الأسرة وغيرهن في قصر الأمير فيصل (آنذاك)، ثم صدر أمر الملك سعود - رحمه الله - بإنشاء الرئاسة العامة لتعليم البنات عام 1379هـ - 1960م، فقامت الأميرة عفت بدور كبير في ذلك؛ فقد أنشأت دار الحنان في جدة عام 1375هـ - 1956م، وكانت لرعاية الأطفال اليتامى، وكانت المتولية لشؤونها؛ فقد تبرعت بالأرض والمال للمشروع، ثم تطورت الدار فكان لها أقسام متعددة ومراحل متنوعة لتصبح من أكبر مدارس البنات في المملكة في وقتها، ثم أنشأت مدارس الثغر النموذجية بجدة عام 1960م، ثم اقترحت إنشاء كلية التربية للبنات بالرياض عام 1390هـ، ثم جاهدت لتطوير تعليم المرأة على جميع الأصعدة، حتى نالت نساؤنا نصيباً وافراً من التعليم في ظل شريعتنا السمحة الغراء، وكانت نظرتها الثاقبة البعيدة المدى خير معين في أن تنال الفتاة السعودية حظها من التعليم الذي قرره شرعنا المطهر، ثم بعد تولي الملك فيصل مقاليد الحكم كان لها الدور الكبير في النهوض بتعليم المرأة، في مختلف مناطق المملكة وفي مختلف المراحل الدراسية حتى الجامعية، فتم إنشاء كلية الأميرة عفت الأهلية بجدة للبنات، وقد واصلت ذلك الجهاد حتى نفع الله عز وجل بجهودها المباركة النساء، فكان منهن الداعية والمعلمة والطبيبة وغيرهن، وكانت - رحمها الله - ممن عرف عنها حب الخير والعطف على الفقراء والمساكين، فكانت تخصص رواتب لعدد منهم، وكذلك تقدم مساعدات مالية للفقراء والعاملين عندها، كذلك أسست الجمعية الخيرية النسائية بجدة عام 1382هـ، واستمرت في دعم العمل الخيري حتى وفاتها - رحمه الله - فقد توفيت يوم الخميس الموافق 11 ذو القعدة 1420هـ، بعد مرض عانت منه طويلاً، وأُجريت لها عملية جراحية توفيت بعدها عن عمر يناهز الرابعة والثمانين، وقد أنجبت للملك فيصل - رحمه الله - عدداً من الأولاد، هم: 1- الأمير محمد الفيصل وبه تكنى (أم محمد)، وكان رئيس المؤسسة العامة لتحلية المياه ثم تفرغ لأعماله الخاصة التجارية ومنها بنك فيصل الإسلامي، ومن أبنائه الأمير عمرو. 2- الأمير سعود الفيصل، وزير الخارجية الحالي. 3- الأمير عبدالرحمن الفيصل، 4- الأمير بندر الفيصل، 5- الأمير تركي الفيصل، رئيس الاستخبارات العامة السابق والسفير السعودي في كل من بريطانيا وأمريكا سابقاً، 6- الأميرة سارة الفيصل رئيسة جمعية النهضة النسائية ورئيسة مجلس كلية عفت ومدارس الحنان للبنات بجدة، 7- الأميرة لطيفة الفيصل عضو جمعية النهضة النسائية، 8- الأميرة لولوة الفيصل نائبة رئيس أمناء كلية عفت ومدارس الحنان للبنات بجدة، 9- الأميرة هيفاء الفيصل رئيسة جمعية زهرة لسرطان الثدي.
يوسف بن عبدالعزيز الطريفي
معهد حائل العلمي