(لمحات من الذكريات)
الجزء العاشر
قراءة - حنان بنت عبدالعزيز آل سيف
(بنت الأعشى)
تأليف: معالي الدكتور عبدالعزيز بن عبدالله الخويطر
ما زال أديبنا الفرد، ووزيرنا الفذ، ممعنا في تسطير سيرته الحياتية فهو فيها على قدم وساق، وأسلوب معاليه يدل على ملامح الشخصية الروحية والفكرية التي يتسم بها الخويطر - حفظه الله - وهي ملامح صادقة كل الصدق، واضحة كل الوضوح والسؤال الذي نطرحه على معاليه هو:
ما الذي يحويه الجزء العاشر؟
ويأتي فارس دراستنا ليزيل اللبس، ويكشف المبهم من القول ليقول لنا: (هذا هو الجزء العاشر من كتابي: (وسم على أديم الزمن) وفيه ذكرياتي عن سنتين قضيتهما في إنجلترا وبالتحديد في لندن، حيث كنت أعد لدرجة الدكتوراه في التاريخ (بكلية الدراسات الشرقية والإفريقية) بجامعة لندن، في هذا الجزء أحاديث مختصرة عن مجتمعنا الأخوي نحن الطلاب الذين نحضر لدرجات عليا، تجمعنا ردهات هذه الكلية، وبالذات الصالة العامة وفيها جلوسنا وطعامنا، وميادين نقاشنا لأمورنا الثقافية والسياسية، وما يجد من أحداث في العالم الشغل الشاغل للأذهان في بعض الأيام) ولو حاولنا وصف أسلوب الخويطر بالأسلوب التحليلي الوصفي لم نبتعد عن الصواب، حيث يستخدم هذا الأسلوب في أكثر أشكال السيرة الذاتية: كالمذكرات والاعترافات والذكريات لا سيما إذا كان كاتب السيرة الذاتية من كتاب المقالة النثرية فهو من أقدر الناس على تمثل الأحداث والمواقف والشخصيات، واستمع للخويطر وهو يقول لك: (في هذا الجزء إشارة إلى ما شهدته اجتماعاتنا في عام 1956م من نقاش حاد، وجدل مستمر وحماس متناه، وجفوة وصفاء، وابتعاد واقتراب بسبب القومية، وما رفع لها من أعلام، وما عضدت به، وما هوجمت به، ومن أمل فيها أو خيبة أمل، يعلو الصوت حتى يبلغ عنان السماء، وينخفض حتى يغلب الهمس، فالحكم العسكري على المحك، وهناك ذبح الديموقراطية أو تبحيلها، والإيمان بوجودها في هذا الحكم أو عدمها، ووعودها وما تعطيه من تأكيدات، ومدى الثقة فيها.
وأفكار تتصارع، وآراء تدوّس، وأخذ ورد، ولا أحد يتعب، ولا أحد يمل، كلما أوقد للجدل نار قول حاول آخرون إطفاءها، فالابتعاد قائم، والإطفاء على قدم وساق).
هذا وقد تم تشكيل فن الترجمة الذاتية السعودية من مدة زمنية، استفاد منها القارئ العربي وحصل منها فوائد جمة عن طبيعة المجتمع الغربي النفسية، وكل هذه الجهود الأدبية هي في حد ذاتها عوامل قوية ساعدت على بلورة فن الترجمة الشخصية، والخويطر - حفظه الله - يصف نفسه من خلال صورة دقيقة، يراعي فيها التدرج الزماني والعمري له، وجعل من هذه الأحداث المتشعبة دليلا على بزوغ القوة النفسية عنده، وبهذا بدت هذه الترجمة متميزة بين التراجم الذاتية المتعددة ويظهر من خلالها قوة النفس على الصراع مع ظروف الحياة، حتى وصل إلى ما وصل إليه الآن من مقام أدبي علمي، ومن مقال أدبي تاريخي واستمع له وهو يقول لك:
(حاولت في هذا الجزء أن أدون بعض الحقائق التي تبدو لقارئ غير مهمة، ولكنها لباحث آخر مفيدة، وقد لا يستغنى عنها في مجالها وهناك أمور تجاهلتها، ولم آت بشيء منها إلا ما هو نموذج لها.. وختمت الكتاب بخطابات مني لأهلي وآخرين أو منهم إلي، وهي وثائق تحمل حقائق مؤكدة تضيف إلى بعض ما سجلته من المفكرة أو الذاكرة).
وختاما:
فشخصية الخويطر في هذه الأجزاء العشرة شخصية فارس عربي شجاع ومع هذه الفروسية والشجاعة والبسالة نجد أنها تتسم بالحياء الشديد والتواضع الجم، وقد منح ترجمته الذاتية كثيرا من الحقائق الأدبية، وذلك لاعتماده على عنصر فني هام وهو عنصر وصف وتصوير المشاهد والشخصيات والأحداث المحيطة به والمؤثرة في تكوين ذاته، وتأسيس شخصيته، والخويطر - حفظه الله - لا يقتصر على تصوير الجوانب الإيجابية فقط في هذه الشخصية العملاقة بل يعرج على جوانب سلبية في شخصه الكريم وكل ذلك ينبع من ثقة نفسية كبيرة زادها الزمان عظة وعبرة وحكمه فظهر كل ذلك في أسلوبه وكتبه الكثيرة.
والخويطر من أشد الناس تجنبا لمواضع العظمة في ذاته، بل كان رجلا حييا حرص كل الحرص على إخفاء علامات نبوغه، ولكنها تفرض نفسها بقوة ويلمحها القارئ الكريم تحت السطور وخلف الكواليس.
ومما يزيد أدب الخويطر جمالا وبهاء هو عنصر الحوار بينه وبين قراء ترجمته، وهذا الحوار مما يزيد في نفس القراء عناصر المتعة واللذة والتأثير.
بقي أن أقول لك أيها القارئ الكريم إن الخويطر في سيرته الذاتية والتي وصلت إلى عشرة أجزاء لا ينسى شيوخه فهو مدين لهم بفضلهم عليه وهذا دليل قوي على إخلاصه لهم ووفائه.
***
ينظر في مفهوم السيرة الذاتية كتاب: الترجمة الذاتية في الأدب العربي الحديث. تأليف: د. يحيى إبراهيم عبدالدائم، ط: دار النهضة العربية.
عنوان المراسلة:
فاكس: 2177739 - ص.ب: 54753 - الرياض: 11524
bent_alaasha@hotmail.com