تُظهر الحفاوة التي استُقبل بها سمو ولي العهد الأمير سلطان بن عبدالعزيز في مدريد على المستويين الرسمي والشعبي، والاهتمام الإعلامي المكثف بالزيارة المهمة التي قام بها سموه لإسبانيا منذ يوم الخميس الماضي ويختتمها اليوم عائداً إلى المملكة، أهمية هذا النوع من الزيارات وما يصاحبها من لقاءات ومباحثات واتفاقات، بأمل أن يكلَّل هذا التوجُّه في العلاقات الثنائية بتحقيق ما يعزز المصالح المشتركة بين المملكتين.
***
وإذا كان الاهتمام بالمصالح الثنائية المشتركة بين إسبانيا والسعودية قد أخذ حيزاً كبيراً من مباحثات ولقاءات الأمير سلطان بن عبدالعزيز مع جلالة ملك إسبانيا وكبار مسؤوليها فإن القضايا الأخرى ذات الاهتمام المشترك، وبخاصة قضية فلسطين والوضع في العراق ولبنان، لن تكون خارج جدول الأعمال في المباحثات السعودية الإسبانية؛ حيث اعتادت القيادة السعودية على توظيف مثل هذه الزيارات لخدمة القضايا العربية، وفي إيصال الصوت العربي والرسالة العربية إلى العالم الآخر.
***
والأمير سلطان بن عبدالعزيز في زيارته إلى مدريد من المؤكد أنه نظر إلى إسبانيا على أنها دولة معتدلة من حيث تعاملها مع القضية الفلسطينية والحالة في الشرق الأوسط، بما شجعه على إثارة موضوع السلام بين العرب والإسرائيليين، والدولة الفلسطينية بحدودها الآمنة وعاصمتها القدس، بأمل أن تواصل مدريد جهودها لإحلال السلام في المنطقة بالتعاون مع شركائها في المجموعة الأوروبية، بل من المؤكد أن اتفاقاً مع الإسبان خلال الزيارة قد تم بناء عليه بلورة موقف جديد لتحريك الجهود الحالية المبذولة لإنهاء الصراع في المنطقة.
***
وولي العهد يملك أوراقاً مهمة يمكنه أن يقدمها إلى القيادة الإسبانية لمساعدتها في جهودها المبذولة في هذا الإطار، وبينها المبادرة العربية التي أطلقها الملك عبدالله بن عبدالعزيز وتبنتها الجامعة العربية، مع ما لدى الأمير سلطان من خبرة دبلوماسية تؤهله لإفهام الإسبان حقيقة الصراع وأسبابه وتاريخه وما سينتهي إليه من نتائج سلباً أو إيجاباً على مستوى العالم بحسب نوع المعالجة للمشكلة، وبحسب البُعد أو القُرب من سبر أغوارها.
***
إنَّ تأخير الحل أو تجميده أو الانتصار لموقف طرف دون آخر لن يُنهي هذا الصراع، وهو - في تصورنا - ما نقله سلطان بن عبدالعزيز ضمن حواراته ومناقشاته مع القيادة الإسبانية، بوصف هذا الجهد يأتي امتداداً للمواقف السعودية الداعمة والمساندة لكل جهد دولي يضمن إقامة الدولة الفلسطينية وعودة اللاجئين إلى ديارهم، وهو جهد سعودي مُقدَّر ومشكور من الفلسطينيين تحديداً.
***
ولا شك أن زيارة الأمير سلطان لإسبانيا تضيف إلى العلاقات السعودية الإسبانية المزيد والكثير من القواسم المشتركة في نظرة المملكتين إلى مجمل القضايا الثنائية والدولية، وأن التفاهم بين الرياض ومدريد سوف يساعد على إنعاش كل ما سبق الاتفاق عليه خلال جولات إسبانية سعودية سابقة بين الجانبين، سواء على مستوى العلاقات الثنائية أو التعاون بينهما فيما هو أبعد من ذلك، وهذا بعض ما يمكن استنتاجه من القراءة السريعة لزيارة ولي العهد إلى إسبانيا.