روى أحد أساتذة الاقتصاد في مدرسة شيكاغو الشهيرة طرفة: أن اقتصادي مر براع يرعى قطيعاً كبيراً من الأغنام فقال له إذا أخبرتك بعدد هذه الأغنام فهل تعطيني إحداها.. فوافق الراعي.. أطلق الاقتصادي لعينيه العنان ثم قال 900! تفاجأ الراعي مستفسراً: كيف عرفت؟! أجابه الرجل: أنا اقتصادي.. أمضيا الاتفاق الذي بينهما وقبل أن يغادر الاقتصادي سأله الراعي: هل أنت من مخططي القطاع العام! فدهش الاقتصادي قائلاً: كيف عرفت ذلك؟! فقال الراعي سأخبرك إذا أعدت إلي كلبي!.
في ثنايا هذه الطرفة الكثير من السخرية والكثير مما يمكن قراءته في سياق الفجوة بين مخططي الأنظمة المتكئين على الجانب الكمي وبين واقع القطاعات الاقتصادية وتفاعلاتها الكيفية التي يفترض بالانظمة ان تفصل على مقاسها!.
ثمة ارث تاريخي لا يمكن إغفاله حول تلك العلاقة، ففي الفترة الماضية كان القطاع العام المحرك الرئيس والأكبر ورمانة الميزان في مسيرة الكثير من القطاعات الاقتصادية، ولذلك لم تكن ملامح كثير من تجارب القطاع الخاص قد ارتسمت بعد، أما اليوم فإن الحكومة تتطلع إلى شراكة تنموية يتسلم فيها القطاع الخاص راية تنمية القطاعات الاقتصادية ومتابعة مسيرتها وفق شروط المنافسة الجديدة، ولكي تنجح هذه المرحلة الجديدة وتؤتي ثمارها فإن الركيزة الكبرى تكمن في التشريعات والأنظمة التي تؤطر لحركة تلك القطاعات وضرورة شراكة القطاعين العام والخاص في صياغتها والوقوف على تفاصيلها التي تحقق المناخ الملائم للطرفين للقيام بمسؤولياته.
أخيراً تتعالى بعض الأصوات بين حين وآخر للحديث حول تطوير الأنظمة والتشريعات بما يتلاءم وتحديات المرحلة وتتجاوز هذه الأصوات لدرجة أن تنادي بأن تفصل الأنظمة حسب أهواء المنتمين إلى القطاعات الاقتصادية في نظرة قاصرة تتجاهل المصالح الكلية والاستراتيجية وفي هذا خطورة وتفريط لا يقل عن سابقه.