كلنا نقول: إنّنا نقبل أي شيء لكننا لا نقبل المساس بكرامتنا، والقول محمود، وإنْ اختلفت معايير المساس بالكرامة من شخص إلى آخر، لكننا في الغالب نخطئ في فهم حدود ما يتطلّبه ما نقول ..
مسألة المحافظة على الكرامة مسألة مؤسّسة في.....
..... نفوسنا بطريقة صحيحة، أساسها التطرُّف والغلو، وبقاء محفزات العدوانية موقدة دائماً، فتأتي أفعالنا عندما نعتقد أنّ كرامتنا قد مُسَّت عنيفة مدمّرة وشرسة، لا تترك خيارات أو مجالات للفهم وللتصحيح، لأنّنا نفهم المسألة على أساس فعل لا يرضينا يتوجّب منا ردّة فعل تفوقه في نوعها ومقدار ما تحدثه من أثر. على أنّني أرى أنّ المحافظة على الكرامة هي سلوك متعقّل واعٍ يلتزمه المرء، ينعكس على كل حركاته، فلا يقول ما يجرح الآخرين حتى لا تُجرح كرامته، ولا يتعدّى على الآخرين حتى لا تُستباح كرامته، ولا ينفجر في وجوه الآخرين عندما يعتقد أنّ كرامته قد مُسَّت ليفقد فهم حقيقة الأمور وملابساتها، بعبارة أخرى هي عقل السلوك الذي يفرض الموازنة بين أمور عدّة، ويفرض ترك مساحات للفهم وسبر المسببات، وللصبر والعفو والتسامح وضبط النفس، ثم بإعمال العقل لاختيار الأنسب للمواجهة وللتصحيح والمحافظة على كرامة يُعتز بها ..
فالمسألة إذاً ليست ردود أفعال تعبِّر عن شعورنا بعقدة النقص أو اهتزاز في ثقتنا، لكنها فعل مؤسّس وموجَّه يبني أسواراً بين الآخرين وبين مساسهم بكرامتنا، أساسه ثقتنا بأنفسنا وبما ارتضيناه لنا، وإيماننا أنّ كرامتنا لا تهتز بما يقوله الناس من كلمات عابرة - فالناس في كل الأحوال سيتكلمون - ولا تنقص عندما يصدر من الآخرين سلوك معيب موجَّه لنا يخدشون به كرامتهم قبل كرامتنا، فكرامة الإنسان تنبع من داخله، في ثقته بنفسه، واستقرار عاطفته، وفي تفهُّم واقعه ومنهجية محافظته عليها من المساس بدءاً به وبما يظهره للناس من سلوكه، ثم يدع الناس يظهرون ما يعكس حقيقة ما في نفوسهم دون وف .. والله المستعان.
naderalkalbani@hotmail.com