Al Jazirah NewsPaper Friday  06/06/2008 G Issue 13035
الجمعة 02 جمادىالآخرة 1429   العدد  13035
برامج تربوية وتوعوية وثقافية تتوجه للمرأة
تحصين المجتمع النسائي من الإرهاب والتطرف.. كيف؟!

الجزيرة - خاص

المرأة المسلمة هي نصف المجتمع، بل قد تكون أكثر من ذلك، فهي المربية والموجهة وهي التي تتابع الأبناء وتراقب وترصد أفكارهم وسلوكياتهم، وتوجه وترشد وتوعي إذا لاحظت تغييرا في سلوكيات او أفكار الأبناء، ولذلك يقع على المرأة السعودية الدور الأكبر في استراتيجية مواجهة الارهاب والغلو والتكفير، وعليها المسؤولية الأولى في التوجيه والارشاد، ونشر منهج الاعتدال والوسطية.

ولقد استطاع التكفيريون والارهابيون استغلال بعض النساء في نشر فكرهم، والدعاية له، والقيام ببعض المهام اللوجستية في ظل الرقابة الصارمة، وعيون الأمن الساهرة لرصد اي تحركات مشبوهة للفئة الضالة.. وهذا يتطلب دورا أكبر في توجيه وتوعية المجتمع النسائي من خطورة هذه الأفكار، وتحصين المرأة من الغلو والتطرف والارهاب.. ولكن كيف؟!

النساء أكثر قابلية

في البداية تقول د. عواطف بنت عبدالعزيز الظفر - عميدة كلية التربية للبنات بالأحساء: مما لا شك فيه ان بعضا من الشباب أصبح لديه الاستعداد لقبول الفكر المتشدد والارهاب ومن ثم الإيمان به كعقيدة مما يستوجب علينا دراسة الأسباب التي تؤدي الى قبول هذه الفئة لهذا الفكر المنحرف بهذه السهولة غير المتوقعة.

لقد تناول الكثير من الكتاب ظاهرة الارهاب بوصفها آفة عالمية لا وطن لها، ولا ثقافة معينة تمهد لميلادها، وإن كان جلهم قد ألصقوها بالإسلاميين المتشددين، خاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وفي تناولهم لهذا الموضوع أسهبوا في الأسباب التي تحرض على انتشار هذه الظاهرة، وذكروا منها التعليم، التربية، التدين غير الموجه، التيارات الدينية المتشددة بل ذهب بعضهم الى المناخ الثقافي العام، حيث يكون سببا في انتشار ظاهرة الارهاب لنبذه للرأي الآخر، وبعده عن الحوار نتيجة لتمجيد الماضي، واعتناق فكر معين دون سواه، وفي الحقيقة فإن هذه الأسباب وغيرها عوامل تزكي هذا الفكر، وتعمل على انتشاره، وان كانت بنسب متفاوتة.

ولما كان المجتمع النسائي أكثر قابلية لتلقي الفكر الارهابي والتطرف من المجتمع الرجالي حيث إنه يؤمّن البيئة الخصبة لنمو هذا الفكر، ويعمل على انتشاره بما يملكه من خصوصيات لا تتوفر للمجتمع الرجالي، لأن المرأة بحكم وضعها الاجتماعي، وتكوينها النفسي، ودورها التربوي قادرة على التأثير في الرجل الذي تتواصل معه بطريق مباشر كالولد، والأخ، والزوج، أو غير مباشر باستخدام وسائل الاتصال الحديثة (الشبكة العنبكوتية) التي تستخدمها المرأة ببراعة لتجنيد بنات جنسها، وبث الفكر المتطرف وإثارة الرجل وحثه على الخوض في مستنقع الارهاب والدليل على ذلك ان نسبة 40% من مواقع اصحاب الفكر المتطرف تديرها نساء أعمارهن ما بين 18 - 25 عاماً، كما تبين دراسة الصحفية هيام مفلح في جريدة عكاظ.

وأيضا لأن المرأة المسلمة أصبحت مستهدفة من قبل أعدائها على اختلاف ميولهم وعقائدهم، ولقد غُرر بها دينياً، وشاركت في عمليات إرهابية وأُعدت لتكون قنبلة موقوتة تفجر حينما يتم الاحتياج اليها للانتقام من العدو، بل تناقلت الفضائيات صورها وقد تمنطقت بحزام مليء بالمتفجرات أعد للفتك، والتدمير وترويع الآمنين وكل هذا تحت زعم نيل مرتبة الشهادة، والفوز بما أعده الله لهن من الأجر والنعيم الأبدي في الآخرة.

أسباب الفكر الإرهابي

وتتساءل د. عواطف الظفر: إذن فما الأسباب التي جعلت المرأة تتبنى هذا الفكر الارهابي، بل وتقبل على التضحية بحياتها تحت حقيقة مضللة وزعم كذوب لعلنا نجمل هذه الأسباب في:

1- الجهل بحقيقة الاسلام القائمة على العدل والمساواة والتسامح، وغاية معرفتهن ما تقلينه من مفكرين متطرفين احتكروا عقول الأمة، وعصبوا عيونها بعصابة الممنوعات والمحاذير، ولكثرة المحاذير، وقعت المرأة في داء عضال، هو فقدان القدرة على اتخاذ القرار، والمبادرة فصارت إمعة ببغاء تقلد وتكرر، وهكذا توقفت عن التفكير والإبداع، وعششت في داخلها العقد النفسية.

2- الفراغ وعدم وجود عمل نافع يشغلها، ويشعرها بقيمتها، وأهمية الحياة بالنسبة لها، فمن يحمل رسالة يحتاج الى الحياة ليوصلها، وهكذا فقدت الحياة قيمتها في نظرها، وأصبحت تبحث عن قيم ما بعد الموت في مكان مضلل.

3- العزلة فكل ما تعرفه عن العالم الخارجي هو ما ينقل إليها عبر موقعها، ومن ثم ترفض التعرف فليس لديها الجرأة على الحوار ومعرفة الرأي الآخر وممارسة الديموقراطية الإسلامية الصحيحة.

وحماية النساء من الفكر الارهابي والمتطرف واجب ديني، ومسؤولية الجميع بدءا من أولياء الأمور وانتهاء بالأب والأخ والزوج، وبالعموم كل من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، وخشي مساءلة الله له يوم الوعيد، وفي الحديث (ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) وهذا يتطلب:

أولاً: التنشئة الإسلامية الصحيحة فيجب على الوالدين منذ الصغر تبصرة أبنائهم بحقائق دينهم السمحة، وتنشئتهم على السير على خطاه، ومعرفتهم لحدوده، والالتزام بشرائعه، والوقوف على حلاله وحرامه، وفي الحديث (الحلال بين والحرام بين).

ثانياً: الحد من تأثير المفكرين المتطرفين بتجنيد المعتدلين لحوارهم، وفضح أكاذيبهم وأخطائهم التي ضللت المجتمع بشعاراتهم الكاذبة.

ثالثاً: التأكيد على الوسطية والاعتدال في ديننا، والتأكيد على الوسطية والاعتدال ضرورة إنسانية، لأن الوسطية تنزه عن التعصب والأنانية المؤذية الى احتقار الغير او الإضرار بحقه، والوسطية ضرورة شرعية لأنها حسن الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، وتصديق لما وصف به هذه الأمة {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}، والوسطية تدعو الى التوفيق بين المطالب الدنيوية والواجبات الأخروية {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا}، والوسطية تحقق التوازن بين العبادة والعمل {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ}.

رابعاً: قتل الفراغ بمهمة نافعة تخدم الآخر، وتجعل المرأة ذات قيمة في المجتمع حتى تحب هذا المجتمع، وتدافع عنه ولا تدمره.

خامساً: بث التوعية والتثقيف على ألا يقتصر التثقيف على الشؤون الدينية، وإنما شموله على التنوع العلمي الذي يجعلها قادرة على فهم الحياة من حولها، وبالتالي على الحوار مع الآخر المختلف، والاستماع لرأيه، ومثل هذا الحوار يثري الفكر، ويبني المعرفةن ويعينها على تجاوز التمركز حول الذات، ويشيع الجو الديمقراطي الذي يشبع لدى الفرد حاجة الى الأمن، وينمي لديه القدرة على الإنجاز، ويغذي مطلبها التواصلي مع الآخر، ويزيل مشاعر القلق والاضطهاد التي تزدهر في الأجواء التسلطية، والتي قد تكون عوائق تعطل عملية المعرفة، وإثراء الفكر.

سادساً: إخضاع المتطرفات لإشراف نفسي واجتماعي للقضاء على النزعة التدميرية في نفوسهن، وسلوكهن، ومحاولة تقويمهن لينخرطن في المجتمع كمواطنات فاعلات يستفاد من تجربتهن في حماية غيرهن.

8 مقترحات

وتقدم الأستاذة سمية بنت علي السلطان، عضو اللجنة النسائية بالمكتب التعاوني للدعوة والارشاد وتوعية الجاليات بالثمامة، مجموعة من المقترحات لتحصين المجتمع النسائي من الغلو والتطرف منها:

1- أن تركز الداعيات ومن لهن الكلمة المسموعة من طالبات العلم في المجتمعات النسائية سواء أكانت في جامعات أو مدارس أو دور تحفيظ أو غير ذلك على الدعوة الى الاعتصام بالكاتب والسنة والرجوع إليهما في كل الأمور تطبيقا لقوله تعالى {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ}. فإن الاعتصام بهما هو النجاة والفلاح بإذن الله.

2- تكثيف الجهود في نشر منهج أهل السنة والجماعة منهج الوسطية والاعتدال إما عن طريق المحاضرات أو الندوات أو عن طريق الدروس العلمية التي تخصص للنساء أو يشارك في سماعها بعض النساء، وهذه العقيدة موجودة في كتب مشهورة معروفة وعليها شروحات لعلماء معتبرين معروفين بالعلم الصحيح وسلامة المنهج، ومن هذه الكتب: أصول السنة للإمام أحمد، والعقيدة الواسطية لابن تيمية، ولمعة الاعتقاد لابن قدامة، ومن أوسعها أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة.

3- التأكيد على ضرورة فهم نصوص الوحيين وفق فهم السلف الصالح وشرح نصوصهما وترسيخ مفاهيمهما في النفوس خصوصا ما يتعلق بمعاملة الحكام وولاة الأمر، وما يتعلق بباب الولاء والبراء والجهاد والدعوة ووسائلها، وما يتعلق بمعاملة أهل البدع، وكذلك ما يتعلق بالتوحيد وضده والسنة وضدها ونحو ذلك.

4- توضيح معنى محبة الرسول- صلى الله عليه وسلم- بلا غلو ولا جفاء وبيان معنى شهادة أن محمداً رسول الله وأنها تقتضي الاتباع التام الشامل لكل جزئيات حياة المسلم، قال ابن القيم: وكما أن محمدا- صلى الله عليه وسلم- عام الرسالة الى كل مكلف فرسالته عامة في كل شيء من الدين أصوله وفروعه دقيقه وجليله، فكما لا يخرج أحد عن رسالته فكذلك لا يخرج حكم تحتاجه الأمة وعن بيانه لها.

5- بيان الطرق الشرعية الصحيحة في مناصحة ولاة الأمر وقد بين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الطريقة السليمة في ذلك فقال: من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانية ولكن يأخذ بيده ويخلو به فإن قبل منه فذاك وإلا كان قد أدى الذي عليه، وهذا هو المنهج الذي اتخذه علماؤنا الراسخون في هذه البلاد - حماها الله -.

6- نشر الوعي وبيان من هم العلماء الذين ينبغي ان يطلب العلم عندهم، ومن هم الذين يؤخذ بفتواهم ويوثق بعلمهم فلا يأخذ المسلم العلم إلا من علماء أهل السنة والجماعة لأنهم هم أهل البصيرة ويبتعد عن علماء الكلام والبدع والمفكرين والمهيجين إذ العلم الذي ليس من كتاب ولا سنة لا يسمى علما بل يسمى جهلاً وانحرافاً.

7- الحث على البعد عن مواطن الفتن بأنواعها مكتوبة ومسموعة ومرئية إذ المسلم مطالب بحفظ دينه وأن يجنبه مواطن الفتن، قال- صلى الله عليه وسلم-: (ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم والقائم فيها خير من الماشي والماشي فيها خير من الساعي ومن يشرف لها تستشرفه ومن وجد ملجأ أو معاذا فليعذ به)، وقال: (من سمع الدجال فلينأ عنه فوالله إن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن فيتبعه مما يبعث به من الشبهات).

8- بيان علامات أهل الأهواء ومقاصدهم وأفكارهم وشبهاتهم وكيفية الرد عليها، ومنهجهم في الاستدلال بنصوص الوحيين ووسائلهم في نشر ضلالهم، استناداً بمنهج حذيفة- رضي الله عنه- في التلقي حيث قال: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فكم يحتاج النساء الى الوعي التام بهذا الجانب ليميزن بين المحق والمبطل ممن يتكلم بالدين.

9- السعي في تربية المجتمع عامة والمجتمع النسائي خاصة على ترك ما لا يعني والاشتغال بما يعني فتترك مهمات القيادة والسياسة والمصالح العامة لأهل الحل والعقد الذين هم أهل للكلام فيها ليسلم المجتمع من إثارة المشاغبين وعبث المفسدين وإشاعتهم المغرضة التي تروم التفرقة بين صفوف الأمة وإثارة البلبلة والفوضى بين المسلمين.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد