Al Jazirah NewsPaper Friday  06/06/2008 G Issue 13035
الجمعة 02 جمادىالآخرة 1429   العدد  13035
السيرة العطرة لرسول رب البشرية
صالح بن عبدالله بن عبدالعزيز بن باز *

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.

أولاً: إنه من الظلم البالغ والجهل المركب أن نحكم على العقيدة والشريعة الإسلامية من خلال سلوك بعض المسلمين أو من خلال من يتسمون بالمسلمين وهم لا يعرفون من الإسلام إلا اسمه ومن يفعل ذلك فقد تسرع في حكمه وظلم نفسه وتطاول بدون علم، العقل السليم يفرض على صاحبه أن يفهم الأمر فهماً صحيحاً قبل أن يحكم.

ثانياً أحب أن أقول إنه لا يمكن لبشر مهما علت درجته وارتفعت سلطته أن يسيء للرسول محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم لأنه أفضل البشر على الإطلاق والذي فضله ورفعه لهذه المنزلة العظيمة هو الله وليس لمخلوق أن يعترض على الخالق. إن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم يحتل مكانة عظيمة في قلوب المسلمين وأن بعض المسلمين يتمنى أن يرى محمد صلى الله عليه وسلم ولو كلفه ذلك نفسه وأولاده وكل قبيلته وذلك لشدة حبه لهذا الرسول الكريم. وقد تكلمت د. وفاء سلطان في قناة الجزيرة القضائية عن الإسلام والقرآن والرسول محمد صلى الله عليه وسلم وعن المسلمين بكلام جاهل وسيئ.. وأقول: أنتِ يا وفاء سلطان لا تعرفين الرسول محمد صلى الله عليه وسلم معرفة صحيحة والدليل هو ما تقولينه عنه وعن الإسلام ولو أنك تعرفينه معرفة صحيحة وحررت نفسك من الحقد وفكرتي بعقل وقلب سليمين لاختلف كل كلامك.

لو نظرتي أنتِ وأمثالك لسيرة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم لوجدناها مليئة بالشدائد التي لا يقوى بشر عادي على تحملها. مات أبوه وهو في مهاده وماتت أمه وهو في أشد الحاجة لحنانها وعطفها عليه إذ كان عمره 6 سنوات. في البداية حرمان من أبوه وأمه ثم خوف وحرمان للحرية الاجتماعية بسبب الدعوة السرية وحزن لفقد أعز الناس له زوجته وجده وعمه في سنة واحدة وتبع ذلك مباشرة مقاطعة اجتماعية واقتصادية له ولكل من تبعه ثم مجاعة وتعرض للإيذاء الشديد ومن ثم حروب ما تنتهي حرب حتى تبدأ حرب أخرى وكلها حروب من أجل تحرير الناس من عبادة البشر لعبادة رب البشر ومن طغيان وظلم الملوك والجبابرة لعدل الله ورحمته، وكانت حروب في شدة الصيف في صحراء رمالها نار مستعرة تحرق الأرجل وشمس حارة فوق الرؤوس، وحروب في شدة الشتاء في صحراء قاحلة مفتوحة من كل الجهات تستقبل رياح البرد الشديد، إنها شدائد وعذاب يتبعهم شدائد وعذاب وفي الأوقات التي ليس فيها حروب فهو معلم لصحابته ومثابر ومجاهد لطاعة الله وتطبيق شريعة الله سبحانه وتعالى على أرضه وبين مخلوقاته وفي دجى الليل تجده متعبداً قائماً يصلي أكثر الليل حتى تفطرت قدماه من كثرة الوقوف لعبادة ربه.

1- انظروا لملابسه صلى الله عليه وسلم فهي ملابس نظيفة معتدلة ليست حريرا ولا مزينة بخطوط الذهب مثله في لباسه مثل أي رجل عادي يكدح ليكسب قوت يومه.

2- انظر لبيته صلى الله عليه وسلم فهو بيت صغير أو غرفة صغيرة فيها مكان نومه ومكان طبخ طعامه (إن وجد طعام يطبخ) ومكان ليستقبل ضيوفه ويمكن أن نسمي بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم غرفة واحدة مقسمة لمكان للنوم وآخر للطعام وآخر لاستقبال الضيوف فهو بيت صغير بني بأبسط المواد وهي الطين بينما كان في زمنه صلى الله عليه وسلم قصور فارس والروم مزخرفة ومبجلة بأفضل مواد بناء موجودة في ذلك الزمان.

3- انظروا لطعامه صلى الله عليه وسلم فإن غالب طعامه كان الشعير وكان يمضي الشهر والشهران والثلاثة شهور لا يوقد في بيته صلى الله عليه وسلم نار للطبخ. وقد ثبت في التاريخ بأنه صلى الله عليه وسلم كان يشد على بطنه الحجر من شدة الجوع.

هنا السؤال الذي يطرح نفسه لماذا تحمل الرسول كل هذا العناء؟ لمصلحة من؟ وإلى متى؟ وهنا أترك إجابة هذا السؤال لأصحاب العقول الصحيحة والمعتدلة والتي ليس بها علة.

هل كان الرسول محمد صلى الله عليه وسلم يريد المال وزينة الدنيا والشهرة والملك؟ لو كان يريد ذلك لتحقق له ملك كل الدنيا ولاستمتع بكل ملذات الدنيا ولكن سيرته تدل على أنه لا يريد المال ولا الدنيا والأدلة على ذلك كثيرة منها رفضه لما عرضه عليه كفار قريش من أن يملكوه على أنفسهم ويزوجوه أفضل وأجمل بناتهم ويجمعوا له كل أموالهم مقابل أن يتخلى عن رسالته ودعوته لتوحيد الله سبحانه وتعالى. لقد رفض كل ذلك أشد الرفض.

لقد رحل الرسول محمد صلى الله عليه وسلم من الدنيا ودرعه مرهونة مقابل قليل من الطعام لنفسه وأهل بيته ولكنه رحل بعد أن بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وترك في المسلمين نوراً يستضاء به وهدى يهتدى به إلى يوم القيامة.

أحب هنا أن أفند مزاعمك وأرد على كل زعم تتزعمينه من واقع القرآن والسنة والعقل والقلب البشريين وهذه مزاعمك والرد عليها فأرجو منك ومن كل من يفكر مثلك أن تستمعوا وتصغوا لي بتجرد من الحقد.

1- أنتِ تتعرضن على أن القرآن لا ريب فيه، نعم القرآن لا ريب فيه لأنه كلام الله وليس كلام بشر. إنه كلام الله الذي خلقك أنتِ أيتها التي تعترضين أنك تعترضين على خالقك وهذا قمة الكفر والجحود.

2- أنتِ تشيدين بالرسام الدنمركي وتتباهين به لرسومه القذرة بحجة أنه فهم الإسلام وكان رده من خلال الرسوم وأنا أقول لها وللرسام لو أنه كان يعرف تعاليم الدين الإسلامي معرفة صحيحة لانقلب الأمر ورسم كل من يعارض الإسلام برسم مسيء.

3- أنتِ تسمين تعاليم الدين الإسلامي تعاليم إرهابية. أرجو أن تقرئي تعاليم الإسلام من مصدر صحيح قبل أن تقولي هذا الكلام الجاهل. الإسلام هو دين الرحمة والعدل والتسامح والإسلام يحرم تحريماً عظيماً قتل أي نفس بشرية بريئة أو الإفساد في الأرض قال الله تعالى: }مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ}، وقال تعالى: }وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَام * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ} (204-205) سورة البقرة. والآيات في هذا المعنى كثيرة.

4- سميتي المسلم مخلوقاً دونياً وهذا والله يثبت أنك فاقدة لكل معايير الأخلاق السوية وهذه دلالة على دونية عقلك كيف تحكمين على أكثر من مليار مسلم بالدونية. إنه من الجهل المركب أن تحكمي على الإسلام من خلال تصرفات بعض الأشخاص الذين يتسمون بالإسلام وهم أبعد الناس من تعاليم الإسلام الحاضرة الإسلامية المتمثلة في المسلم المتمسك بتعاليم دينه هي التي جلبت للغرب العلم الحضارة الإسلامية هي التي جلبت الصفر الحسابي للغرب. الحضارة الإسلامية هي التي جلبت علم الجبر الحضارة الإسلامية هي التي جلبت علم الطب والفلك وغيره كثير والتاريخ شاهد على ذلك وما زالت بعض كتب علم الاجتماع الإسلامية تدرس في الغرب.

5- أنتِ تعترضين على المسلمين بأنهم يكفرون المسيحيين واستدللت بأية قرآنية وهي قوله تعالى { لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (17) سورة المائدة. وقال تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ} (72) سورة المائدة. وقال تعالى: {لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }(73) سورة المائدة. وفي الحقيقة أنتِ تعترضين على كلام الله وليس كلام بشر. إن الذي كفر هو الله ونحن نكفر من يكفره الله ورسوله ونحن المسلمون نقول نعم كل من اعتبر المسيح ابن مريم إله فهو كافر لأن المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام هو رسول الله وكلمته كما قال الله تعالى {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتَهُواْ خَيْرًا لَّكُمْ إِنَّمَا اللّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً} (171) سورة النساء. والآيات في هذا المعنى كثيرة جداً.

*الرياض



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد