«الجزيرة» - عبدالعزيز السحيمي - جمال الحربي
شدد علماء ومختصون في الدعوة أن دعوة خادم الحرمين الشريفين للحوار بين الأديان جاءت من منطلق شرعي يدل عليه القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة هدفها التعايش السلمي بين الشعوب ونشر السلام والعدل في العالم، مؤكدين على أن الحوار العالمي الإسلامي الذي يعقد في مكة المكرمة يجب أن يخرج بتوصيات علمية قابلة للتطبيق على أرض الواقع من أجل بيان سماحة الإسلام وتعاليمه الداعية للسلام والتآلف بين العالم.
حيث أكد الدكتور عبيد بن عبدالله السحيمي عضو هيئة التدريس بقسم الدعوة بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة أن دعوة خادم الحرمين الشريفين للحوار بين الأديان السماوية جاءت من منطلق شرعي دلت عليه الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة ويهدف هذا الحوار إلى التعايش السلمي بين الشعوب كافة في ظل الصراعات والدعوات المنافية لما جاءت به دعوات الرسل والأنبياء التي تدعو لنشر السلام والعدل بين العالم كافة وهي نظرة ثاقبة من خادم الحرمين الشريفين لبيان مكانة الإسلام ودوره في تحقيق الرقي والتعايش السلمي والعدل والسلام بين الشعوب، مؤكداً أن الحوار العالمي الإسلامي الذي تستضيفه مكة المكرمة خلال هذه الأيام يجب أن يكون لرأب الصدع الحاصل بين المسلمين وتأصيل الحوار كلغة عالمية يمكن من خلالها التوصل إلى نقاط اتفاق بين المسلمين من أجل تحقيق الهدف الأسمى وبيان فضل الإسلام ودعوته السامية لتحقيق السلام والتآلف، مشدداً على أهمية أن تكون التوصيات التي سيخرج بها المؤتمر قابلة للتفعيل والتطبيق على أرض الواقع وتكوين لجان متخصصة من العلماء والمختصين في العالم الإسلامي لمناقشة التوصيات وبحث أفضل السبل لتفعيلها وتعزيز تطبيقها من أجل تحقيق الأمن بين المسلمين وتعزيز التعاون والتفاهم في الأمور المشتركة التي يتفق عليها الجميع.
من جهته قال الدكتور غازي بن غزاي المطيري عضو هيئة التدريس بكلية الدعوة وأصول الدين بالجامعة الإسلامية: مما لاشك فيه أن الإنسان بطبعه وتكوينه الخلقي العقلي يحتاج إلى ضرورة التفاهم ومد حبال التعاون بين أفراد الجنس البشري من خلال أدبيات الحوار الراقي، ويأتي في طليعة ذلك المنتسبين إلى الديانات حيث ثبت أن أكبر المؤثرات في التاريخ البشري وأحادثه العظام هو الدين وما نزل الدين الحق على الرسل عليهم الصلاة والسلام إلا لنشر المحبة والسلام وليس الحروب والخصام ومن هنا جاءت دعوة خادم الحرمين الشريفين في وقتها المناسب حيث تعصف بالعالم اليوم دعوات وصراعات فكرية خرجت عن إطارها الطبيعي وأظهرت بؤر خطر ماحق في عدة مواضع على هذه البسيطة ولعل من أشهرها الدعوة إلى صراع الحضارات فليس غريباً أن تتبنى المملكة العربية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين مهبط الوحي ومهوى أفئدة المسلمين إلى احتواء هذه الدعوة ووضعها في سياقها الصحيح بعيداً عن المصالح السياسية وبناء الأجندة الطائفية من خلال اجتماع ذوي الرأي والعلم والفكر لتفح باب النقاش الواسع المعمق للوصول إلى الحد الأدنى من التفاهم والوئام ليكون ذلك توطئة لنشر السلام في العالم وتحقيق العدالة بين أفراد الجنس البشري، وأضاف أن المراقب لهذا الاجتماع العلمي والفكري الذي وظفت له المملكة الإمكانيات لإنجاحه أمل عريض يراود العقلاء والحكماء في هذا العالم بالخروج إلى أطروحات فكرية وآراء حكيمة لفض النزاعات القائمة والمتوقعة في المستقبل والوصول إلى أرضية من التفاهم الأسمى على ضوء العقل والحكمة التي دعى إليها الإسلام.
من جهته أوضح الأستاذ الدكتور عبدالرحيم بن محمد المغذوي أستاذ الدراسات العليا بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة أن دعوة خادم الحرمين الشريفين تنطلق من منطلق دعوة الإسلام الآمرة بالسلم والمتأمل في دعوة الإسلام يجد أنها تحض على السلم والسلام والدين الذي يحمل كل هذه المعطيات اسمه الإسلام بل إن تحية المسلمين في الجنة تحية السلام. وأمر الله تعالى بالسلم في كل الأحوال وقال تعالى: {وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا.. الآية} هذا مع الحالات غير الطبيعية كحالات الحرب وغيرها فما بالك بحالات السلام والطبيعة والأديان، إنما جاءت لصالح البشرية والإنسانية جمعا لكل زمان ومكان ولم تحمل جميع الدعوات السماوية أي خلاف أو عدوانية بين البشر وإنما جاءت لتحقيق معاني التوحيد والعبادة والحضارة والسلام فإذن دعوة خادم الحرمين الشريفين تنطلق من منطلقات دينية وحضارية وإنسانية عالمية مشتركة. وأضاف المغذوي: إذا كان هناك ثمة تطرف فهو ينسب للقائمين والمباشرين له ولا يمكن أن ينسب إلى أي دين من الأديان السماوية لأن الأديان تحمل في معطياتها الدنيوية والعبودية والخضوع لله تبارك وتعالى وإرادة الخير والرحمة للناس كما قال تعالى في حق نبيه صلى الله عليه وسلم {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } إذاً فلا تطرف ولا مغالاة ولا إرهاب ولا شنآن في الدين الإسلامي الحنيف والحقيقة أن النتائج المرتقبة لدعوة خادم الحرمين الشريفين في الحوار بين أهل الأديان يرجى منها أن تكون فاتحة خير على الناس للتعارف والألفة ونبذ الخلاف والفرقة والله سبحانه وتعالى أمر بالتحاور بين أهل الأديان فكيف يمكن أن يتعرفوا على ما عند الدين الإسلامي من خير إذا لم يكن هناك تحاور وعرض للعقيدة الإسلامية السمحة على حد قوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ...الآية}، هذا في حق أهل الأديان السماوية والمؤمل أن تشمل نتائج دعوة خادم الحرمين الشريفين إلى الحوار مع الآخر شرائح من أهل الأديان والاتجاهات والأفكار الأخرى.
من جهة أخرى قال الدكتور عبدالله بن صالح العبود عضو هيئة التدريس بكلية الدعوة وأصول الدين بالجامعة الإسلامية: إن الله تعالى خلق الخلق من أجل أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً ومن أجل تحقيق ذلك أرسل لهم الرسل وأنزل معهم الكتب الدالة على ما ينجيهم في الدنيا والآخرة، فكانت دعوات جميع الأنبياء والمرسلين متضافرة لتحقيق هذا الهدف وإن اختلفت الشرائع فقال تعالى: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُل* جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا... الآية}
ودعوة مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز للحوار بين أهل الأديان للتعايش السلمي فكرة حكيمة ورأي صائب ينبثق من خلاله دعوة عالمية للسلام ونبذ العنف والتطرف وإعطاء الحرية التامة للشعوب والأفراد في اختيار الدين القيم المتناسب مع الفطرة دون المسلمين الآخرين والحوار المبني على أسس وآداب ومقومات صحيحة يعتبر حواراً ناجحاً مثمراً. وإن المتوقع من نتائج هذا الحوار بإذن الله تعالى بسين الأديان في ظل الهجمات المتطرفة على الأديان إلجام أرباب تلك الهجمات بالحجة والبرهان الساطع الذي يقود إلى التعقل والهدوء واحترام الأديان السماوية وتفهم أرباب الهجمات أن الأديان السماوية يعزز ويؤيد بعضها بعضاً.
وما حوار النجاشي بن اصحمة الذي كان نصرانياً إلا دليل على ذلك حيث سمع من الطرفين (المشركين والمسلمين) وكانت نتيجة الحوار أن قال إن الذي جاء به النبي محمد والنبي عيسى عليهما الصلاة والسلام ليخرجان من مشكاة واحدة. حينها ضعف موقف الهجوم المتطرف أو أصبح أكثر إدراكاً يقوده إلى التعقل وترك الهجمات التي تضيع جهده ووقته بلا سدى ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون.
وقال الدكتور العبود: إن الحوار بين المؤسسات الإسلامية المعنية بالحوار والذي تشهده مكة المكرمة هذه الأيام يهدف إلى وضع آلية يمكن من خلالها توحيد الصف الإسلامي هو أمر في غاية الأهمية وبخاصة إذا أخذ في الاعتبار أن الحوار من أبرز شروطه وأسسه أن لا يكون في الأصول لكونها من المسلمات البديهية، وتعتبر محطة التقاء بين المتحاورين وإنما يكون الحوار فيها مبنياً على نقاط الخلاف في الفروع وبيان سعة الملة الإسلامية في استيعاب المخالف.