حين أقرأ السير والمآثر والأسفار أرى تلك الحروف وقد عدى على أصحابها الزمان فكانت (لسانا) يخبرنا عن كفاح من أجل البقاء في حياة يحيط بها الموت.. و(شاهدا) خطته الأنامل نقشا يسطر قولهم: (يوما كنا هنا).. فسمعناهم.. وناجيناهم.. واستنطقناهم وليس لسانهم إلا تلك (الحروف الصامتة) التي تتلو علينا نبأهم كلما اتكأت عليها أبصارنا..
وحين نصمت ونعطي ألسننا لحروفنا تبدأ (ميتافيزيقيا اللغة) متشكلة في أحرف لسانها يستأذن العين ليلج إلى حِمَى القلوب.. فتراه يفتح صفحة طوتها الأزمنة، أو يخط أملا باعدته الأقدار، أو يعزف وترا وزنته آهات الألم، أو يستمطر أعينا في سهد الليالي، وربما استرق ابتسامة ثغر في زحمة الأعباء!
و(صمت الحروف) لسان يسمعه العليل (آهات) تمتد وترتد.. ويصغي له العاشق (همسات) تخشى استراق السمع.. وينصت له الآمل (إصغاءً) لخطوات أمله تقترب.. ويتوجس منه المذنب (خيفة) من سلاسل جلاده..
صمت الحروف لسان نسمعه (بأعيننا) ونعقله (بقلوبنا).. لغة متفردة تتوارى خلف صمتها قصص (الماضي) ، وحادثات (الآن) وآمال (القادم)..
(حياة) هي تلك اللغة (قبل) الحياة.. و(بعد) الممات!
جنة في (الصحراء).. ونهر في (اليم).. ونزف بلا (دم).. وبكاء بلا (دمع).. وعزف بلا (أوتار)..
عجبت (لصمتها) فكم خاطَبَنا به (الراحلون).. ونَصَحنا به (الأولون).. وأضحكَنا به (الميتون).. وآنَسنَا به (الغائبون).. تلك هي الحروف وتلك هي قصتها الممتدة ما بين (اقرأ) وبين (القلم وما يسطرون)..
تلك هي المعجزة.. والصمت حين ينطق معجزة اسمها (الكتابة)..
almdwah@hotmail.com