الورد جميل..
والأجمل منه القصيدة..
وأنا أعرف الورد..
وأعرف أسماءه..
وأعرف كيف أختاره..
وأعرف كيف أهديه لمن أحب..
وأعرف القصيدة..
وأعرف بأي أيدلوجية عقلية تكتب..
وبأي ألوان ميتافيزيقية ترسم..
وبأي ذهنية تتشكل..
وبأي ماهية تكتب..
هل تكتب بحكمة (سقراط) أو (أفلاطون)..
أم برعب وجنون ودموية (شارون)..
أم بنرجسية (نزار)..
أم بعقلانية (غازي القصيبي)..
أم بشجاعة (محمد السديري)..
أو بفروسية (راكان بن حثلين)..
أم بثورية (محسن الهزاني)..
أم بتشرد (الصعاليك) القدامى..
أنا أحب الورد.. وأحب أكثر منه القصيدة الجميلة..
لذا أريد القصيدة كالمرأة الحسناء.. تعلمني الحب والحياة..
أريدها تاريخاً.. وأن تعلمني أن الشتاء قادم.. وأن الريح ستكون باردة..
وأن العصافير مازالت في أعشاشها..
وان صوت الريح صار مثل صهيل الخيول الجامحة..
وان الرجال الهاربون من البرد..
مازالوا مختفين خلف الملابس الثقيلة.. يقبعون خلف المدفئة..
وأنه يجب علي أن أذهب إلى شعراء (النبط) لأوقظهم من سباتهم العميق..
وأخوض معهم جدلاً عميقاً.. وأن أهزهم من أكتافهم.. هؤلاء الذين أصابوا القصيدة بتشوهات.. خلقية.. وجعلوها تمارس المشي على عكازين مختلفين..
ومارسوا عليها أبشع أنواع الاغتصاب القهري.. وجردوها من مضامينها الفكرية.. والفنية.. والتصويرية.. والوطنية.. زينوها..وسرحوا شعرها الطويل وقدموها.. (جارية) لمراهقي القبيلة على حساب الوطن..
***
هؤلاء لا يجيدون سوى حرق القصيدة..
وذر رمادها..
ودق الطبول حولها..
لا يفهمون جيداً ما الفرق بين حامض الكبريت.. وحامض الليمون..
ولا يعون.. الفرق ما بين أكسيد الكربون.. وثاني أكسيد الكربون..
إنهم يحفظون فقط قواميس (الهرطقة) و(الغوغائية).. والعبث الفكري..
***
هؤلاء لا يعرفون القصيدة ولا يعونها.
لا يعرفون طقوسها..
ولا مناخها..
ولا متى يجيء المطر..
***
هؤلاء لا يعرفون فصول القصيدة..
ما هو ربيعها..
وما هو خريفها..
ما هو صيفها..
وما هو شتاؤها..
***
هؤلاء لا يعرفون أبجدية القصيدة..
ما هو إلفها..
وما هو بنائها..
ومتى تضم..
ومتى تشدد..
وكيف تكون حالة التنوين..
***
هؤلاء لا يعرفون أن للقصيدة جغرافيا..
وأن لها سلاسل جبال..
وتلال.. وأودية.. وأخاديد..
***
هؤلاء لا يعرفون أن للقصيدة تاريخ..
وأن لها تاريخاً جاهلياً..
وتاريخاً أموياً..
وتاريخاً عباسياً..
وتاريخاً عند العرب العاربة.. والعرب المستعربة..
***
هؤلاء لا يعرفون..
أن للبيزنطيين قصيدة..
وبأن للرومان قصيدة..
وبأن للفرس قصيدة..
وبأن للصينيين قصيدة..
وبأن للقوقازيين قصيده..
وبأن للشيشان قصيدة..
وبأن للتركمانستيين قصيدة..
وحتى لقبائل القرن الإفريقي وسكان (التبت) وقبائل (الماو ماو) قصيدة..
***
هؤلاء لا يعرفون أن للقصيدة مدائن..
لها مداخلها..
وطرقاتها..
ومتاحفها..
وتراثها..
وناسها..
وعاداتها..
وتقاليدها..
***
هؤلاء لا يعرفون بأن للقصيدة بحار..
وبأن لها شواطئ ومرافئ..
ولها طيورها الخاصة..
وأسماكها الخاصة..
وعواصفها البحرية والبرية الخاصة..
***
هؤلاء الشعراء النبطيون.. تكاثروا الآن مثل نبات (الفطر)..
ونمو حول خرائب الأرض وأنقاضها..
تكاثروا وتجانسوا.. وتوالدوا.. وصارت لهم سلالات وتابعين..
صارت لهم طرقهم المذهبية..
واتجاهاتهم الطائفية..
وحركاتهم الفلسفية..
ورموزهم التقليدية..
***
هؤلاء لا يعرفون.. إلا التملق..
مسافرون هم على دروب الملح والعطش..
مسافرون من وجع إلى وجع..
ومن تشرد إلى تشرد..
ومن ضياع إلى ضياع..
ومن موت إلى موت..
***
هؤلاء لا يقولون القصيدة إلا لمن يشاءون..
ولا يحبون إلا ما يشاءون..
يكرهون ما يشاءون..
يمجدون من يشاءون..
ويمدحون من يشاءون..
ويذمون من يشاءون..
***
هؤلاء تحولت القصيدة عندهم من حالة شعرية ذات قضية..
إلى حالة (تسول) كلي..
حتى جياد القصيدة عندهم بح صوتها وتخلفت عن الركض..
***
إنا تركنا هؤلاء (النبطيين) يركضون في المدار لوحدهم..
يزرعون في فضائنا غثاً فكرياً.. وقنابل موقوتة..
يغسلون أدمغة أطفالنا بعنصرية قبلية بغيضة..
يحاولون إحياء الانتماء القبلي على حساب الوطن..
يعملون بعلنية مكشوفة..
وبحرفية ذكية..
يعرفون جيداً أعواد الكبريت القابلة للاشتعال..
والتي لا تعمل..
إنهم يمارسون علينا وعلى جيلنا القادم نوعاً من (الهدم) الذوقي والفكري والاجتماعي واغتيالاً صريحاً ومكشوفاً للوطنية لحساب القبلية..
إن هؤلاء الشعراء النبطيين (الراديكاليين) يغزون الفضاء ويفتحونه لنا مساحة للهو والعبث الثقافي.. ويطلبون ويزمرون لعنصرية بغيضة وتاريخ فكري اجتماعي ساد ثم باد ويحاولون ريه وزرع الحياة فيه من جديد غصباً وعنوة..
***
إن هؤلاء النبطيين.. فقدوا رشدهم..
ويحاولون وسوف (ينجحون) على أن يفقد الرشد أيضاً لجيل كبير قادم..
إن أمننا الوطني..
وأمننا الفكري..
وأمننا التعليمي..
وأمننا الثقافي..
وأمننا المستقبلي..
بيد هؤلاء يعبثون فيه متى شاؤوا وأرادوا..
أن (البعير) يعجز أن يدخل في (سم) الإبرة..
لكن هؤلاء لا يعجزون أن يدخلوا في العقول الطرية الصغيرة لأطفالنا عن طريق القبلية والطائفية والمذهبية صحفاً ومجلات وفضائيات يعج بها المدار..
إنه غزو فكري قبيح ذو سمية قاتلة..
يجب أن نتداركه وأن نفعل له شيئاً قبل أن يأتينا الطوفان القاتل الذي لا يبقي ولا يذر..
إن أطفالنا اليوم عجينة بيد هؤلاء..
يعجنونهم متى أرادوا..
ويخبزونهم متى أرادوا..
ويأكلونهم متى أرادوا..
إن أطفالنا اليوم تحولوا بفعل هؤلاء العبثيين إلى النشيد للقبيلة في طابور الصباح بدل النشيد للوطن.. أقسم أنهم فعلوا ذلك مراراً وتكراراً وعلى مرأى ومسمع من زملائهم ومعلميهم.. الذين أدهشهم وربط ألسنتهم هذا الفعل.. أن جدران البيوت والمدارس في أزقة الأحياء وشوارع المدن والقرى والهجر وخيم البادية وأبواب السيارات الجانبية والخلفية تحولت إلى (سبورات) تمجيد للقبيلة وسيرتها وبطولاتها وفرسانها وأن لهذه القبيلة الولاء المقدس الذي لا يفوقه ولاء وأن الذي يعادي ثقافة هذه القبيلة أو تلك (يوصم بالعار والشنار).. إنني أشعر بالأسى والغثيان والحزن العميق إلى ما وصلت إليه الحال بفعل هؤلاء (المخربين) الذين يريدون أن ينبشوا لنا قبور القبيلة ويضعونها لنا مرجعية انتمائية لا يجوز لنا الخروج عليها.. إنهم يريدوننا أن نعيش عليها ونقتات منها ونمنحها فروض الولاء والطاعة جبرا وقهراً واتجاهاً أعمى.. إنهم لا يريدون لنا وللجيل التالي بعدنا الاتجاه الأفقي نحو الفضاء بقدر ما يريدون لنا ولهم الاتجاه العكسي نحو طبقات الأرض السبع وأداً لنا وقتلا.. إنهم لا يحبون رائحة الياسمين والقرنفل وأزهار النباتات البرية.. ويبغضون كل شيء متحرك نابض بالحياة والتقدم ومصارعة الفضاءات الواسعة وأعماق البحار الرهيبة.. إنهم يرفضون ذلك ويركنون إلى القرون الماضية البائدة استجداءً وتسولاً مادياً واسترزاقاً وشحذاً واضحاً ضعفاً منهم وهوناً وانكسار عزيمة.. إن المتابع لهذه الفضائيات يشعر بمدى الرغبة في استخراج كمية كبيرة من بقية الطعام الذي التهمه لكونه يعيش حالة عسر هضم شديدة نتيجة لهذا الغث الكبير من البرامج التعبوية وشحن المتلقي بثقافة عنصرية واضحة وصريحة ومقننة قابلة للانفجار والتدمير لتقضي على كل شيء جميل.. إن الأدهى من ذلك هو الإشراف المباشر لهذه المحافل الشعرية (العنصرية) من قبل أناس وشخصيات فاعلة وهيئات دولية يفترض فيهم البعد كل البعد عن إثارة النعرات القبلية والمذاهب البشرية، إنهم يغدقون على هؤلاء (النبطيين) المال ويزينون لهم المكان ويجلبونهم من كل حدب وصوب، لا للرقي بالحس الثقافي للبشرية وتعليمها وتدريبها وتأهيلها نحو آفاق أرحب وأوسع حتى يصبحوا منافسين أقوياء للعالم الآخر بل (جلبوهم) ليقدموا لنا ثقافة (مدح) باهتة و(مسرحية) هزلية ذات تكرار لغوي ممل.. إن الاستمرار في هكذا أعمال دعماً وتشجيعاً يتحتم علينا أن نتهيأ برفع أيدينا إلى أعلى وأن ندعو الله أن يعيذ شبابنا ووطننا من فتن هذه الفضائيات وشرورها وثقافتها وعنصريتها البغيضة.
ranazi@umc.com.sa
almdwah@hotmail.com