أجلس مع نفسي كثيراً.. فمع نفسي لا ألبس أقنعة، وأتعرى تماماً من كل ما يستر ما أخفيه عن الناس.. وأتحدث معها دون تصنع في الطرح أو تنطع في أسلوب الحوار واختيار الكلمات والمفردات، وأسمع غالباً منها كلاماً لا أحبه وحديثاً لا أرغبه، وتصيداً لكل سقطاتي أمقته.

تحدثني نفسي عن كل شؤوني دون تزييف أو تلميع، وتذكرني بحالي وبما أوصلني إليها بصدق لا مجاملة فيه.. وتعيد لي تصوير مشاعري التي لم تكن مناسبة لهذا الموقف أو ذاك.. وتحيل تبعات ما يعلق في نفوس الناس عني، أو ما يتولد لديهم من انطباعات إلى سلوك انتهجته، أو شعور أوضحته أو موقف وقفته.. لا تجعل لما يحدث لي مما لا يرضيني سبباً غيري..

مع النفس يكون الحديث دائماً واضحاً وصادقاً وموجعاً، فالنفس تظهر لصاحبها ما أخفاه عن الناس من حسده أو خوفه أو غيرته أو خبثه أو أي شعور يترفع أمام الناس عنه، وتبين له صدق نيته، وسلامة سريرته، وهل قام بهذا العمل أو ذاك وقد راعى الله فيه، أو فعله؛ لأنه يرغبه ويحبه بغض النظر عن أي شيء آخر، أم فعله رياء وإيهاماً للناس ليكون في مكانة يريدها فيهم، ومع نفسي على الرغم من ميلها للوقوف على السلبيات دون المحاسن، أجد أملاً بعد يأس وراحة بعد تعب، وأؤمن أنه بالإمكان دائماً فعل أحسن مما كان، فأعود للناس وقد تغير كثير مما لا يعلمه الناس.. كثير يزيد الأمل في رحمة من يعلم ما تكنه النفس وما تخفي الصدور، فتتغير الدنيا بأسرها في عيني، ويتسع صدري للمزيد من الصبر، ويتحفز عقلي وجسدي للمزيد من المثابرة والعزم.. كم أتمنى أن تستمر نفسي في محاسبتي دائماً.. والله المستعان.