Al Jazirah NewsPaper Monday  02/06/2008 G Issue 13031
الأثنين 28 جمادى الأول 1429   العدد  13031
الحبر الأخضر
بس ولو..لا يهمك السعودي!!
أ. د. عثمان بن صالح العامر

بعض الناس منحه الله القدرة على طرح الأسئلة المحورية والهامة، ورزقه امتلاك مهارة إدارة النقاش المفتوح والخلوص في النهاية بتصور ما عن الموضوع محل الحوار بعد أن يكون وبلباقة متناهية قد منح الجميع حقهم الطبيعي في الحديث الحر وبالتساوي وتدربوا على فن حسن الاستماع حين يتحدث الآخرون، ومما في الذاكرة أنني كنت في جلسة خاصة جمعت أناسا عدة ومن مشارب فكرية مختلفة ومستويات ثقافية متباينة، وكان من بين الحاضرين شخص بهذه المواصفات الواردة أعلاه، وقد طرح وبعفوية متناهية موضوعا مهما - في نظري - وطلب النقاش حوله، ألا وهو (ترى ما هي أبرز السلبيات التي نعاني منها نحن أبناء هذا الوطن المبارك، ويراها كل واحد فيكم عيبا من عيوبه الذاتية أو سلبية من سلبيات من حوله ممن يخالطهم ويعيش معهم؟) واشترط أن يقتصر كل منا على ذكر سلبية واحدة يعتقد أنها الأهم والأجدر بالبحث عن حل جذري لها، وألّا يكرر التالي ما قاله من سبقه، وإن لم يجد ما يضيفه فليصمت.. طبعا تحفز الجميع لذكر ما لديهم من عيوب، بعد تفكير جاد في التوصل إلى السلبية التي يعتقد كل منا أنها الأهم على الإطلاق، وكانت النتيجة النهائية تعدد الإجابات وتنوع المداخلات ومشاركة الجميع بلا استثناء..

فمن قائل مرضنا الفتاك هو البعد عن الله وضعف الإيمان وقلة الوازع الديني، ومن قائل الاتكالية هي الداء فغالبيتنا تربى منذ نعومة أظفاره على خدمة غيره له، ولذا فنحن لا نستطيع أن نخدم أنفسنا، وثالث قال الأنانية المفرطة وحب الذات، ومن هنا صارت الواسطة سلوكا اجتماعيا مقبولا عند طبقات المجتمع المختلفة، وإن كانت بنسب متباينة، ومن هنا صرنا نلقي بأخطائنا على الآخرين، ومن هنا صرنا نتكلم عن الآخرين ونقيمهم على ضوء ما قدموه لنا من خدمات، وآخر كان يجلس عن يميني قال وبصوت مرتفع الفوضوية فنحن لا نعرف التخطيط، وليس للوقت عندنا قيمة، وخامس العنف، وسادس العجلة فكل الأمور نريدها (كن فيكون) بين عشية وضحاها، والكل يتمنى أن يكون معه عصا موسى وخاتم سليمان، ولذا فنحن لابد أن نتعلم الصبر، وسابع عدم الرغبة في التغيير والوقوف ضد كل جديد مع أن طبيعة الحياة التغيير والتحول والحركة الدائمة، وثامن عدم الجدية في الحياة، وتاسع السلبية وعدم الإيجابية في علاقة الفرد بمجتمعه، وعاشر غياب ترتيب الأولويات، فنحن لا نفرق بين الضروريات والحاجيات والتحسينيات، بل إن بعض الأشياء في البداية هي مجرد محسنات في الحياة، ولكن سرعان ما ترتقي إلى درجة الضروريات لا يمكن أن يستغني عنها الواحد منا بحال، وحادي عشر الفهم الخاطئ للدين، وثاني عشر غياب الحوار، وهناك من قال النظرة السلبية للمرأة و.. التقليد لبعضنا بعضا، فلو اشترى مقتدر ماليا سيارة بمبلغ وقدره صار كل من حوله يسعى بكل ما أوتي من قوة لامتلاك مثل هذه السيارة الجديدة، وربما دفعه ذلك للتقسيط أوالدين أو أخذ راتب الزوجة والسلسلة لا تنتهي، و..عدم احترام الشعوب الأخرى واعتقاد أننا نحن من نملك وحدنا الحقيقة، و..العصبية القبلية، و المناطقية الضيقة، و..التعالم، و..غياب الوعي، و..عدم إتباع القول العمل، و.. الفساد الإداري، و..التنافس على الدنيا وغياب استشعار المسؤولية الجماعية لدى الجميع، و.. النفاق الاجتماعي، و..الحسد وتمني زوال النعم التي منّ بها الله على أحد من خلقه، و.. المخدرات.. ويعود الحديث مرة تلو الأخرى والسلبيات لم تنته.. قلت في نفسي حينها.. من أين لنا الشواهد والبراهين على وجود كل هذه السلبيات في مجتمعنا السعودي؟، وكيف لنا أن ننهض في ظل هذا الكم من العيوب المتنوعة والقاتلة؟ كيف استطاع كل واحد منا أن يصل إلى ترتيب سلبياتنا بهذه الصورة أو تلك، ليس هذا فحسب بل صار لدى كل منا القناعة التامة بأن هذا العيب هو سر تخلفنا والداء العضال القاتل فينا؟.. إننا علمياً لا نملك سلما سليماً وصحيحاً نحدد من خلاله موقع هذه السلبية في مسارنا التنموي والشخصي، كما أنه لا وجود فيما أعرف في محاضننا التربوية لمناهج علاجية لكل داء يثبت بالتشخيص أن هذا الشخص أو ذاك قد تعرض له في حياته الخاصة، ومع ذلك كله كثيراً ما نتحدث نحن وربما منهم على شاشة التلفاز (سؤال الإخبارية مثلاً) أو من خلال مواقع الانترنت، أو على صفحات الصحف والمجلات أو في المنتديات والجلسات عن كم من السلبيات المميتة تزيد وقد تنقص عماّ هو في جلستنا المتخيلة هذه، وإن اختلف المكان والمتحدثون وآلية العصف الذهني، والدراسات العلمية التي أعرف في هذا الموضوع محدودة جداً، وربما لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة وهي في إطارها العام مقتضبة ولا يمكن الاعتماد عليها في رسم معالم الشخصية السعودية بسلبياتها وإيجابياتها.. إن من الإجحاف وعدم المنطقية في الحكم أن ننظر بعين واحدة، ونركز على النصف الفارغ من الكوب، وتكون صيغة التعميم هي مطيتنا حين النظر في شخصيتنا وتشخيص واقعنا.. نعم لدينا سلبيات مثلنا في ذلك مثل بقية خلق الله، ولكنها قد لا تكون هي السمة الغالبة ولا هي عند الجميع، ولعل من الكلمات المؤذية والدارجة عند الكثير منا (لا يهمك السعودي..ما ينفع) حتى أصبحت هذه العبارة بصمة في أسواقنا المحلية ومؤسساتنا الحكومية واقتنع بها الشاب ذاته فصار يحتقر نفسه، ويُحجم عن التقدم لطلب العمل لأنه صار يتوقع الفشل، ويترجح لديه نتيجة ما استقر في عقله الباطن من حكايات ترددت على مسامعه من هنا، وهناك محصلتها النهائية (أنه غير مؤهل للعمل فكله عيوب).. إنني هنا لست في مقام الدفاع، ولكنني أهيب بنا نحن أن يكون قولنا عادلا وحكمنا على ذواتنا حكماً صحيحاً مبنياً على دراسات علمية ميدانية متخصصة، فالناجحون فينا كثر والعصاميون في أرض الوطن عدد لا يستهان به، والجادون منا رقم رائع في سجل العطاء المبارك والعمل المنتج في قطاعات التنمية المختلفة ودمت عزيزاً ياوطني.



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6371 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد