Al Jazirah NewsPaper Monday  02/06/2008 G Issue 13031
الأثنين 28 جمادى الأول 1429   العدد  13031

في رحاب المغرب الجميلة 7-7
د. عبد الله الصالح العثيمين

 

في آخر الحلقة السابقة كان الحديث عن أبي أيمن وعكازه التي أصبح يتوكأ عليها وإن لم يكن له فيها مآرب أخرى. ومن حسن الحظ، وكريم سجايا من اضطر إلى التوكؤ، أنه لم يتحلَّ بما قاله أبو الطيب المتنبي عن نفسه:

خلقت ألوفاً لو رُجعت إلى الصبا

لودّعت شيبي موجع القلب باكيا

فلم يتمسك بالعجاز، ويجعلها بمثابة عصا المارشالية التي يتمسك بها بعض منتفخي الأوداج من العسكريين، بل ودّعها -بعد أن شفاه الله وعافاه بعطفه وفضله- مبتهج الفؤاد مسرور الخاطر.

وفي آخر ليلة من ليالي المنتدى أقام الأستاذ الكريم عبدالمقصود خوجه، عضو مجلس أمناء مؤسسة الفكر، صاحب الاثنينية المشهورة بإكرام المفكرين، حفلة عشاء كبرى للمشاركين في المنتدى وضيوفه وعلى رأسهم صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل، رئيس مؤسسة الفكر وأمير مكة المكرمة. وكان من لطف الأستاذ عبدالمقصود وفضله على كاتب هذه السطور أن طلب منه إلقاء قصيدته عن العولمة في الحفلة، وبخاصة أن بعض بحوث المنتدى تناولتها. وطلب الكريم لا يرد. ومطلع هذه القصيدة:

سمعت صوت غمغمه

فشاقني أن أفهمه

ومضت أبياتها بسؤال كاتبها معمّماً عنها، فما كان منه جواب شافٍ، بل أحال السائل إلى قارئة الفنجال، فلم يجد لديها من الجواب من يشفيه أيضاً. وهيهات أن يجد ذلك. وفكر أنه يجد الجواب عند أهبل من العصفورية. فكان جواب ذلك الأهبل عن الغمغمة التي يسأل عنها:

(وجدتها وجدتها)

هذاك صوت العولمه

وبعد ذلك لخّص مضمونها بقوله:

أن تحكم الدنيا عصابات ابتزاز مجرمه

تفعل ما يحلو لها باطشة مهدّمه

لأنها في العالمين الخصم والمحكّمه

ومن يفه بكلمة عن جورها أو مظلمه

غدا سليم رأسه جمجمة مهشّمه

وأن تظل أمتي مهانة مشرذمه

يزيدها مرُّ الليالي فرقة وأقلمه

وأن يُرى أحرارها أفواههم مكمّمه

كيلا تُمسّ كبرياء النخبة المنعّمه

والخيل عن جموحها المخيف تبقى ملجمه

هذا الذي أعرفه عمّا يسمّى العولمه

وقد شاء الله أن لا تمر إلا أيام معدودات على مغادرتي رحاب المغرب الجميلة، عائداً إلى أرض الوطن العزيز مع الأخوة والرفاق، وإذا بي أعود -والعود أحمد- إلى تلك الرحاب المغربية مرة أخرى. وكانت هذه العودة للمشاركة في الندوة الفكرية السنوية، التي عقدها منتدى الفكر العربي، الذي يرأسه سمو الأمير الحسن بن طلال، في مقر أكاديمية المملكة المغربية بمدينة الرباط، ومدّتها ثلاثة أيام ابتداء من الحادي والعشرين من أبريل الماضي. ومع انعقاد تلك الندوة عقد الاجتماع السنوي العشرون للجمعية العمومية للمنتدى.

ولمكانة مدينة فاس لديّ توجهت إليها من مطار الدار البيضاء بالقطار، وأقمت فيها يوماً وليلة قبل التوجه إلى الرباط. ولما وصلت إلى المحطة في المدينة الأخيرة سألت صاحب سيارة أجرة إن كان سيحملني إلى مقر الإقامة، وهو فندق هيلتون. فأحالني إلى آخر ملتحٍ توسّمت فيه خيراً، وقلت له: هل تعرف الشيخ محمد بن عثيمين؟ قال: نعم. قلت: أنا شقيقه. فبدت على محيّاه علامة الغبطة، ودعا له بالرحمة والمغفرة. وأبى أن يأخذ مني أجراً رغم إلحاحي الشديد.

ولقد قسّمت جلسات الندوة العلمية إلى ثلاث لجان: سياسية واقتصادية وثقافية. وكانت لي سعادة رئاسة اللجنة الثقافية. وانتهزت فرصة الرئاسة لأشير إلى شيء ما سبق أن ذكرته في محاضرة عامة عن الوطن والمواطنة، لغة واصطلاحاً. على أن انتهازيتي لم تصل إلى درجة كبيرة.

وعندما اجتمع رؤساء اللجان الثلاث ومقرروها مع الأمين العام للمنتدى، الدكتور حسن نافعة، لوضع بيان عما توصل إليه اختيرت الديباجة التي وضعتها اللجنة الثقافية ديباجة لذلك البيان. والمكانة المعنوية لأكاديمية المملكة المغربية معروفة لدى الكثيرين من أبناء أمتنا، بل ومن غيرها. على أن مما لفت نظر كاتب هذه السطور -إضافة إلى إدراكه تلك المكانة- ما يتسم بناؤها من جمال. أما سقف صالتها الرئيسة ذو الزخرفة الخشبية فلم ترَ عيناي أعظم منه روعة، وهو إنجاز لا يستغرب على المهرة من أبناء المغرب الأفذاذ.

وكان مما حدث في ثنايا الندوة المشار إليها توزيع ورقة كتبها الدكتور كمال نجاتي من العراق بعنوان (هل للعراق هوية؟). ومما ورد في تلك الورقة، كان العراق دولة - أمة، أوجدت لغتنا العربية فيه محيطاً محايداً لأكثر من ثقافة واحدة، وصهرتها قوة لوحدة وطنية.. لكن المحتل تمكن من جعلنا دولة من دون أمة، بل جعلنا أمماً من دون دولة.. أمماً ذات هويات انفصالية وطائفية وعرقية تخدم الأهداف السياسية للمحتل.

وما كان من كاتب هذه السطور إلا أن أهداه قصيدته التي عنوانها (صدى العيد) وهي محاكاة لقصيدة المتنبي التي مطلعها:

عيد بأية حالٍ عدت يا عيد؟

بما مضى أم لأمر فيك تجديد؟

وكان مما اختتمت به قصيدتي، وهو منسجم مع مشاعر الدكتور كمال نجاتي التي أبداها في ورقته ما يأتي:

ما للمكفكف دمعاً؟ حب صارمه

براه فانداح من شكواه تمجيد

والمشفقون على دار السلام علت

وجوههم من مآسيها تجاعيد

جحافل الموت قد حلّت بساحتها

وضيم في لابتيها أهلها الصيد

وملتقى الرافدين المستطاب غدا

فيه لأقدام محتليه توطيد

أين المفر؟ وهل في الأفق من أمل

يرجى؟ وهل يعقب التمزيق توحيد

مستقبل ليس يدري كنهه فطنٌ

في رأيه عند طرح الرأي تسديد

والعيد عاد ودامي الجرح يسأله

عيد بأية حال عدت يا عيد؟

أتراني -أيها القارئ الكريم- شرّقت بعد أن كنت مغرباً؟ من قال: إن منتمياً إلى الجيل، الذي أنتمي إليه، لا يسكن مغرب أمته سويداء قلبه تماماً كما يسكن مشرقها؟

أقال الله عثار هذه الأمة، وسدد خطى المخلصين لها.

لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5896 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد