اقتراحات:
* أود أن أختم الأحاديث السابقة بطرح بعض الاقتراحات التي يمكن أن تسهم مجتمعة أو متفرقة في إعادة تعريف دور الجامعة على نحو يخرجها من غسق الحيرة إلى فجر اليقين، مذكراً في الوقت نفسه أن قضية الخريج ستظل تتفاعل في أذهاننا سنين عديدة طالما استمر التدفق الكمي الكبير من مدارس البلاد إلى الجامعات، لكنها ستزداد حضوراً وتعقيداً لو التزمنا الصمت حيالها، أو الزم المجتمع نفسه بخيار أحادي الاتجاه لاستثمار طاقة الشاب، وهو خيار الجامعة دون سواها!
**
* أما الاقتراحات التي أود أن أختم بها هذا الحديث، فهي:
أولاً: إقامة مراكز مؤهلة في الجامعات للإرشاد الأكاديمي، يتولاها متخصصون في التربية والتنمية إضافة إلى مندوبين يمثلون وزارة الخدمة المدنية ووزارة العمل ومجلس الغرف التجارية، مهمتها تقديم المشورة المتخصصة لخريج الثانوية حول نوع الاختصاص الذي يرغب الالتحاق به، والطموحات المهنية المرتبطة به مستقبلاً، كما تساعد الطالب على رسم صورة أدق لمهاراته وقدراته، ويستطيع من خلالها التوفيق بين توقعاته وفرص النجاح المتاحة له عبر المشوار الجامعي وبعده.
ثانياً: حث الشركات الأهلية على استقطاب شرائح مختارة من خريجي الثانوية العامة لابتعاثهم ابتعاثاً داخلياً أو خارجياً إلى المعاهد والكليات المتخصصة وفق احتياج هذه الشركات وقدراتها، ويتوجهون للعمل بها بعد التخرج، وينظر في ربط هذا النمط من الابتعاث بحوافز معينة لهذه الشركات ضمن برامج السعودة.
**
ثالثاً: التوسع في برامج التأهيل المهني المتخصص لمن لا تتاح لهم فرص الالتحاق بالجامعات، كي يستفيدوا من فرص العمل في القطاع الأهلي والحكومي والنظر في تعزيز الحوافز المادية والمعنوية لهذا النوع من التعليم دعماً للخيار الخاص به.
**
رابعاً: التوسع في افتتاح الكليات التقنية المتخصصة خارج المدن الرئيسية في المملكة في حقول الهندسة الزراعية والصناعية والكهرباء والحاسب الآلي والهندسة الميكانيكية والمحاسبة والفندقة والتسويق وغير ذلك من التخصصات التي يفتقر إليها سوق العمل، ويضطر اضطراراً إلى تعويضها بالاستقدام من الخارج، ويمكن أن يكون للقطاع الأهلي دور رائد ونشط في هذا الصدد.
**
خامساً: النظر مجدداً في فكرة التجنيد المؤقت اختيارياً، لمدة لا تقل عن سنتين لخريج الثانوية العامة، يكتسب خلالها الكثير من المهارات والقدرات تكون رصيداً له في المستقبل بعد ترك الخدمة وقد يرجح لديه خيار المهنة العسكرية، ويشق طريقه تدرجاً في سلمها، وعندي أن الخدمة العسكرية ستمتص عدداً كبيراً من خريجي الثانوية العامة، وتفتح لهم آفاقاً رحبة من تربية الروح وترويض العقل وتدريب البدن على تحمل تبعات الحياة، حسية ومعنوية. وقد قرأنا وسمعنا مؤخراً عن التوجيهات السامية لاستيعاب أعداد من هؤلاء الخريجين عبر القطاعات الأمنية بما لا يقل عن عشرة آلاف خريج سنوياً، وتلك خطوة تنموية مهمة، أرجو أن يحسن استثمارها، ليكون لها عائد يصب في مصلحة المواطن والوطن.
**
سادساً: إعادة تقويم قواعد القبول في بعض الكليات الجامعية العلمية بحيث تتمكن من استقطاب أعداد أكبر من طلاب المرحلة العلمية الثانوية، ككلية الطب وبعض فروع الهندسة والعلوم الطبية المساعدة، وهذا بالطبع يتطلب استثمار أموال إضافية لاستيعاب التوسع في القبول، وقد يكون من الملائم هنا النظر في استقبال مبادرات المتطوعين من الموسرين في المجتمع لإقامة مرافق مؤهلة في هذه الكليات تحمل أسماءهم، تساعد على دعم القدرة الاستيعابية لهذه الكليات، وفي هذا تخفيف للعبء المالي على الدولة، وتمكين للرأسمال الخاص من البذل تطوعاً لخدمة أغراض وطنية لا يكون هدفها الربح المادي المباشر، لكنها تستمد ربحها المعنوي من إسهامها في خدمة المجتمع عبر أجيال الشباب.
**
حفظ الله بلادنا، وزادها نمواً وازدهاراً.