الرياض - الجزيرة
حذَّر أكاديمي متخصص في العلوم الشرعية من الأخطار التي تستهدف المرأة المسلمة في عقيدتها، وفي عفافها سواء من داخل المجتمعات الإسلامية أو من خارجها، مشدداً على أن الدين الإسلامي بتعاليمه السمحة حفظ للمرأة المسلمة كيانها وحقوقها بما يتناسب مع تكوينها الذي يختلف عن تكوين الرجل، وأن الإسلام ارتقى بالمرأة المسلمة وصانها من جميع المخاطر بخلاف الحضارات والأمم الماضية والأمم المتقدمة التي لم تكرم المرأة، كما كرّمها الإسلام منذ عهد المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وعلى مرّ عهود الإسلام الماضية والحاضرة.
وأبان فضيلة الدكتور عبد الله بن وكيل الشيخ الأستاذ بكلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض أن قضية (المرأة) موضوع كوني تعيشه المجتمعات البشرية وتياراتها الفكرية المختلفة وما يدفعها من مذاهب وآراء وأفكار ليست خاصة بمجتمعنا في المملكة، ولا في العالمين العربي والإسلامي، بل هي قضية كونية عالمية لا يسع أي مثقف تجاهلها.
جاء ذلك في الندوة العلمية الثقافية التي نظّمها (منتدى العُمري) مساء يوم الجمعة الماضية في مقره بحي الفلاح بمدينة الرياض بعنوان: (المرأة والتحديات المعاصرة) وبحضور عدد من الأكاديميين والمختصين والأدباء والمفكرين المهتمين.
وقال د. عبد الله بن وكيل الشيخ: إن من سنن الله تعالى في خلق البشر، أن خلق النوعين الذكر والأنثى وهي حكمة إلهية جرى التنبيه عليها في مثل قوله تعالى: {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى}، وهي نعمة جليلة تسوق إلى تفكر واعتبار ومن ثم تقوى وازدلاف إلى الله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا}، وقد عدت هذه الآية في سياق آيات عظيمة يواجه بها الملحد، وهذه النعمة لن تتم ولن يظهر أثرها في الوجود إذا لم تضم إلى وجودها أمران آخران هما ركن الوجود المعنوي، أولها تحديد المهام وتوزيع الأدوار في كبد الحياة وحركتها والإشارة في مثل قول الحق: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}، وثانيها تحديد قيادة الأسرة التي تكونت بفعل هذه الزوجية وإلى هذا الإشارة في مثل قول الحق سبحانه وتعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ}.
وأبان الدكتور عبد الله الشيخ أن المرأة عاشت في المجتمعات الإسلامية تحت هذه الرؤية الشرعية التي تجمع بين احترام المرأة والقيام بدورها الذي لا يستطيع أحد القيام به، وكان عصر التجلي لهذه السيادة في حياة المرأة من عصر النبوة وما بعدها في عهود ازدهار الإسلام والمسلمين ثم أدركها ما أدرك الحياة العامة في مجتمعات المسلمين من جهل أو اعتداء فلم تكن نشازاً في المجتمع ولكنها تعيش مجتمعها بكل ألوان الطيف فيه.
وتطرق فضيلته إلى وضع المرأة في الغرب وما تتعرض إليه من تشويه عظيم استمد قيمه من مبادئ الثورة الفرنسية في عام 1789م وما رافقها من جدل فلسفي وزخم حركي وكانت هذه الدعوة نتيجة الظلم والحرمان، والنظرة المهينة للمرأة باعتبارها كائناً نجساً ومختلفاً في إنسانيته ومصدراً للخطيئة وأصلاً للشرور، مبيناً تعدد المدارس التي تقدم رؤية فلسفية لشعار تحرير المرأة والمساواة على أن هذه الرؤى الفلسفية لم تكن بمعزل عن الحراك السياسي، حيث تحولت قضايا المرأة إلى أداة صراع بين القوى المختلفة في المجتمعات.
واستطرد المتحدث قوله: لقد مرت التغييرات في حقل المرأة عبر ما يسمى بالحركة النسوية بمراحل: الأولى: ركّزت على حقوق المرأة السياسية والاقتصادية والقانونية والمدنية، وذلك من آواخر القرن التاسع وحتى مطلع القرن العشرين، والمرحلة الثانية خلال الأربعينيات من القرن العشرين وحتى مطلع السبعينات من هذا القرن، حيث اتسعت مطالبها بالوصول إلى المثلية المطلقة والمساواة الكاملة دون أي تفريق على أي أساس كان جسدياً أو نفسياً أو عقلياً، مستدلاً بدستور الأمم المتحدة وميثاقها المبرم في سان فرانسيسكو عام 1945م على مبدأ عدم التفرقة بين الناس بسبب الجنس، فجعل للرجال والنساء حقوقاً متساوية، حيث بدأت في الستينات النزعة الأنثوية الرديكالية المتطرفة تتبلور كحركة فكرية واجتماعية تسعى إلى تغيير بناء العلاقات بين الجنسين، بل تتمنى الصراع بين الجنسين وعداءها وتهدف إلى تقديم قراءة جديدة عن الدين واللغة والتاريخ والثقافة وعلاقات الجنسين.
كما تناول د. عبد الله بن وكيل في ندوة (المنتدى العُمري) قضية المرأة في العالم العربي، بقوله: لقد نشأت الحركة النسوية في عهد الاحتلال وظهرت كتيار مناهض لذلك الاحتلال لكنها كانت جزءاً منه تستقي قيمها وأفكارها وآلية عملها من خلفية المحتل الثقافية والحضارية، حيث انعقد أول مؤتمر نسائي في المنطقة العربية في بيروت عام 1938م، وبعد ست سنوات تأسس الاتحاد النسائي العربي في عام 1944م في القاهرة بزعامة هدى شعراوي، مشيراً إلى أن مصر كانت مركز الحركة النسوية، وإن كان قد تراجع دورها، كما يذكر بعض الكتّاب بعد عقد معاهدة الرئيس المصري الأسبق محمد أنور السادات مع إسرائيل، ثم امتد أثر هذه الحركة في العالم العربي وفي منطقة الخليج وفي مناطق أخرى ووصلنا كثير من التأثر بها.
وحذَّر الأستاذ بكلية الشريعة بالرياض - في معرض حديثه - من أن التيار التغريبي في كل البلدان يتخذ إستراتيجيات متحدة في المنطلقات وإن كانت تختلف في التفاصيل والجزئيات نظراً لخصوصيات البلدان وسيادة الشريعة، منها أن أول هذه الإستراتيجات التي تنتهجها الحركة العربية في البلدان المسلمة عموماً السعي إلى صياغة الدساتير والقوانين وفق رؤية تغريبية، وقد يكون من العسير جداً في المملكة العربية السعودية أن تغير الأنظمة بما يخالف الشريعة الإسلامية عملاً ولكن يمكن أن يكون هناك صياغات مبهمة تهيئ التفسير أو تهيئ للتفسير الذي يريده من يركب موجة التغيير.
وأثنى المحاضر على ما تحظى به المرأة في المملكة العربية السعودية من اهتمام ورعاية وعناية وحظوة، مستعرضاً - في هذا السياق - ما صدر عن مجلس الوزراء بالمملكة العربية السعودية من قرارات تحفظ للمرأة حقوقها وصيانتها من المهانة والهوان وضمان عدم اختلاطها عند العمل في الأعمال الحكومية مثل السماح لها بالعمل في حقل التدريس والتعليم وفي بقية الحقول والمجالات التي تضمن لها عدم الاختلاط بالرجال وسلامتها من الأذى.
وأشار الدكتور عبد الله بن وكيل إلى أننا نعيش في واقع لا يختلف كثيراً برأي الفتوى إذا خالفت مصالح الناس، فقال: إن التغيير الذي يحدث في المجتمع يدل على أن الفتوى التي لا تتماشى مع الواقع تصبح مع مرور الوقت في طور النسيان.
ولفت الأنظار إلى أن قضية المرأة أخذت صفة أممية منذ إنشاء منظمة الأمم المتحدة سواءً كان ذلك في قراراتها ومواثيقها التي وقّعت منذ عام 1945م ثم انتهت هذه الاتفاقيات إلى الاتفاقية المشهورة المعروفة اتفاقية (السيداو) وهي التي وقّعت عليها المملكة العربية السعودية قبل سنوات، والآن هناك ضغوط لأجل هذا التوقيع على المجتمع في بعض التشريعات وتركزت هذه الاتفاقيات على مبدأ المساواة المطلقة والتماثل التام بين المرأة والرجل في التشريع في العديد من المجالات والميادين بغض النظر عن حالتهما الزوجية، وكذا هناك محاولات في إبطال بعض الأحكام والأعراف واللوائح التي تميّز بين الرجل والمرأة في قوانينها واستبدالها بقوانين، وتأكيد القضاء على التمييز ضد المرأة.
وفي ختام جلسة المنتدى - الذي شهده لفيف من أصحاب المعالي والفضيلة والسعادة من المفكرين والأكاديميين ومجموعة من المثقفين والإعلاميين - أجاب المحاضر على أسئلة الحضور.
وكانت الندوة قد بدأت بكلمة ألقاها الدكتور عبد العزيز بن إبراهيم العُمري عضو المجلس البلدي بمدينة الرياض استعرض فيها موضوع الندوة، مؤكّداً أن المرأة حفظت لها هذه البلاد حقوقها كاملة وفق ما جاء به الشارع الحكيم - جلّ وعلا - محذراً مما تواجهه المملكة من ضغوط الإعلام العالمي حول قضية المرأة السعودية وغيرها، وما تلقاه من هجوم من كثير من الجمعيات التي تزعم اهتمامها بحقوق الإنسان وبحقوق المرأة، وغيرها من المزاعم الموجهة للمجتمع السعودي، مستعرضاً الميادين والمجالات التي كان وما زالت المرأة لها أدوار مهمة وكبيرة فيها.
الجدير بالذكر أن (منتدى العُمري) دأب خلال الفترة الأخيرة على تنظيم مجموعة من المحاضرات والندوات واللقاءات العلمية التي يشارك فيها مجموعة من المتخصصين والأكاديميين في عدد من العلوم الشرعية والاقتصادية، والاجتماعية بهدف تسليط الضوء على عدد من القضايا المهمة للمجتمع وكيفية التعامل معها والتغلب على سلبياتها وتنمية إيجابياتها.