هو رجل بسيط يحب الدعابة والمزح، وأهم من ذلك يسعى في قضاء حوائج الناس سعياً وراء الأجر، ولعله يرغب في أن يدخل فيمن عناهم الرسول -صلى الله عليه وسلم- في حديثه: (أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كرباً، أو تقضي عنه ديناً، أو تطرد عنه جوعاً، ولأن أمشي في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في المسجد شهراً).
كان هذا هو دأبه وديدنه، أحب الناس وأحبوه، حتى جاء ذلك اليوم الذي عرض عليه أحد أصحابه أن يزوجه بقريبة له لما وجد فيه من شهامة ومحبة وطيب خاطر، فاعتذر هذا المحب لصديقه عن ذلك بعد أن استمع من صاحبه عن مواصفات هذه المرأة من الحسن، وحب الجميل، والخلق الحسن، وأنها ابتليت بزوج خلعت منه قسراً، وأنها تصلح لك لا لغيرك، وبالتأكيد كل هذه المغريات والمحفزات لم تحرك ساكنا في هذا الرجل، ولكن هذه المواصفات بقيت راسخة في الذهن، حتى جاءت تلك اللحظة التي حدثه فيها صاحب آخر عن بحثه عن امرأة كزوجة ثانية، عندها استدار صاحبنا، وهو المتوثب دائماً لكل عمل خيري، وقال: أبشر، فإن طلبك عندي، فرد عليه صاحبه قائلاً: خدماتك المجانية والخيرية وصلت حتى التزويج، قال: إنها أول مرة، وانتهى الأمر بقبول الطرفين كزوجين، وشكر أهل الزوجة الرجل على أن قادهم لزوج صالح، وشكر الزوج -وليس أهله- الرجل أن دله على امرأة صالحة، ووجد من الثناء وخالص الدعاء ما فاق أموراً أخرى كان يعملها في السابق، وإن كان لا يسعى لذلك أبداً، فهو محب للخير.
فكر الرجل بالموضوع، وحيثما وجد المسرة والسعادة لدى الزوجين، فكر ملياً، وقال: كم من البنات العوانس، ومن النساء الأرامل والمطلقات اللاتي يرغبن في (ظل رجل)، وكم من زوج يبحث التعدد والتعفف بالحلال، وحاصرته فكرة أن يطرح مشروعه الجديد في المجلس الأسبوعي لأصدقائه، وهو مشروع (التوفيق الخيري)، ولاقت الفكرة استحسان الجميع، وبدأ العمل بشراء شريحة جوال خاصة، وعممها على زملائه، وبدأ يلتقط الرسائل والمكالمات من النساء والرجال، ثم يدونها في جداول خاصة، وبدأ مشروعه ناجحاً في أول أمره بتشجيع من زملائه، وزوجاتهم اللاتي عرضن أسماء قريباتهن، وصويحباتهن ممن فاتهن قطار الزوجية، وساعدته زوجته في ذلك، حتى فاقت شهرته المدينة التي يسكن بها وتعددت خدماته إلى مدن أخرى.
وفجأة بدأ بعض أصحابه بالتخلف عن الحضور للجلسة الأسبوعية في الاستراحة، وإذا ما اتصل على جوال أحدهم لم يرد عليه، وإن تحول إلى الاتصال بمنزل أصحابه وجد تصريفاً ورداً فظاً غليظاً من الأطفال والنساء على حد سواء، بل تعدى الأمر لأقربائه المقربين، وصار اسمه عند الجميع وخاصة النساء بعبعاً مخيفاً، أتدرون لماذا؟
لقد تحول الرضا إلى السخط، ومن كن بالأمس يزودنه بالمعلومات، أصبحن يوجهن له الشتائم واللعنات عندما أوجس لهن ضعفهن أن هذا الرجل سوف يسعى لتزويج أزواجهن، وخطر ببالهن أن السبيل الوحيد للمحافظة على أزواجهن هو مقاطعة هذا الرجل الطيب، وأصبح من كان بالأول مقبولاً، منبوذاً مطروداً، لا يرد على اتصاله، ولا يدعى لاجتماع، ولكن هذا الرجل، وهو الساعي إلى الخير، لم يفت عزمه ما قامت به النساء وعسفن به الرجال، بل زاده إيماناً ويقيناً بأن يعمل ويعمل في كل وجه من وجوه الخير، متلمساً الأجر من الله، ومحتسباً ذلك عنده.
alomari1420@yahoo.com