Al Jazirah NewsPaper Friday  30/05/2008 G Issue 13028
الجمعة 25 جمادى الأول 1429   العدد  13028
اللهم اغفر لعبدك الصالح.. صالح العبدالله المالك
محمد حمد البشيت

في التسعينيات الهجرية دفعتني الظروف إلى أن أتجه إلى وزارة الشؤون البلدية والقروية، ولم أكن يومها أعرف أحداً بها.. ولا حتى موقع مقر الوزارة.

ولكن كنت أحمل توصية شفهية من إنسان عزيز على قلبي بحكم عملي تحت إدارته آنذاك، أرشدني ذلك الإنسان إلى أن أتجه إلى مكتب وكيل الوزارة وأطلب مقابلته من أجل تسهيل ما ينبغي تسهيله. وبينما كنت شارد الذهن أفكر كيف الذهاب إليه وحيائي يمنعني ما لم تكن معي رسالة (للوكيل)، ولعل محدثي أدرك مدى تمنعي من الذهاب، فإذا صوته يقول: الوكيل الدكتور صالح المالك ابن عمي، اذهب إليه وهو كفيل بمساعدتك.

قلت لمحدثي: غداً سأذهب إليه، ومن ثم آخذ (رحلتي) المسائية كي أعود إلى حائل.

قال: (لا عليك، إذاً اذهب إلى محاسب مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر عبدربه، وخذ منه خطاباً للمبيت الليلة على حساب جريدة الجزيرة في فندق السعودية القريب من صحيفة الجزيرة وعلى امتداد شارع الناصرية).

* * *

في صبيحة اليوم التالي كنت في مكتب مدير مكتب وكيل الوزارة، وفي هذه الأثناء دارت (فكرة) الباب الفاصل بين مكتب الوكيل ومدير مكتبه، وإذا بهذا الرجل الممشوق القوام والهندام الناصع البياض والوجه السمح الطافح بالبشاشة، الذي تتخلله البسمة التي تجعل المراجع يرتاح للحديث معه.

* * *

رأيت مدير المكتب يقف احتراماً للرجل، ويتكلم معه في بعض الأمور المكتبية. وقفت إلى جانبه وقلت: الدكتور صالح؟ التفت (رحمه الله) وقال: نعم. قلت له مباشرة: أنا أتيت من حائل، ولي أمل بمساعدتك. قلت ذلك متعمداً لأنني لا أريد أن آتي على ذكر المصدر الذي دفعني إليه؛ حيث لا أريد إحراجه في شيء لم يكن باستطاعته عمله لي. فأخذني بيدي إلى داخل مكتبه وهو يقول: عندي اجتماع بعد قليل، ولكن أحببت سماع ما لديك. فبدأت أحكي له موضوعي، وهو مُصغٍ ومتكئ بساعده على مكتبه، ورأيته بين الفينة والأخرى يبتسم. قلت له: يا دكتور يبدو أن كلامي لم يعجبك. قال: بالعكس بل (تعجبني اللهجة) الحائلية، وأتمعن في مفرداتها الجميلة.

* * *

بعد لقائي به - رحمه الله - قال: اكتب لي خطاباً، وضع به رقم تليفونك، وإن شاء الله مساعدتك ستكون موضع اهتمامي. وبعد ثلاثة أيام من ذات صباح حين أتيت إلى مكتبي متأخراً، وإذا بمدير الخطوط السعودية بحائل آنذاك الأستاذ عبدالله محمد صارم، مدير السعودية حالياً في لبنان، يتلقى مكالمة من الدكتور صالح المالك يسأله عني، وحينما سألني عبدالله صارم هل تعرف وكيل الوزارة؟ قلت نعم. قال شيء يشرف أن يعرف مثلك كبار المسؤولين. بهذه الكلمات الصادرة من مديري في الخطوط السعودية بحائل رفعت أسهمي الإدارية وانتفخت أوداجي وأحسست بالزهو أمام مديري، فأخذت التليفون وطلبت الدكتور صالح المالك على مسمع من مدير الفرع.. قال الدكتور المالك (رحمه الله) موضوعك انتهى، ومن المفروض أن ينتهي من قبل، سيكلمك (المهندس) فلان.. نسق معه. وبهذه الكلمات الموجزة حلَّ الدكتور صالح المالك وكيل وزارة الشؤون البلدية والقروية آنذاك مشكلة دامت أكثر من ثماني سنوات، كنا عاجزين عن حلها ما بين الذهاب والمجيء (للبلدية)؛ نتيجة التعسف (البيروقراطي) من البلدية. وقد أعاد المالك (الحق) إلى صاحبه غير منقوص.

وهنا يجب أن ذكر أن صاحب (الحق) توفي - رحمه الله - قبل أن يأخذ حقه، فاتصلت بورثته ومنهم الدكتور عبدالمحسن، وأخبرتهم بإنهاء المشكلة ومن حقهم مراجعة البلدية، وقد كان؛ فلهجت القلوب بالدعاء لصالح المالك - رحمه الله - اللهم اجعل ذلك في ميزان حسناته.

* * *

عرفته - رحمه الله - لفترة قصيرة كانت كافية كما لو أنني عرفته لعشرات السنوات من قبل، وكنت أتصل به بالمناسبات أيام كان الاتصال عن طريق (الترنك) ثم تلاه (الصفر) المباشر، وانقطعت الاتصالات فيما بيننا فيما بعد لتعدد مشاغله وسفرياته، ولكوني انتقلت إلى عمل جديد في مدينة جدة منذ خمسة وعشرين عاماً. وعلمت (بمرضه)، وسفره للعلاج من الأصدقاء القدامى، فدعوت له بالشفاء.. حتى طالعتنا الجزيرة بخبر وفاته - رحمه الله - وقد أحزنتني كلمة رثاء ابن عمه خالد المالك في (الجزيرة) مثلما أحزنتني كلمة الرثاء لعبدالرحمن الشبيلي في (الشرق الأوسط)، وبهاتين المقالتين الراثيتين وجدتني أبحث في مخيلتي عن ذكراه العالقة في تلابيب الذاكرة، عن هذا الرجل الوفي الذي كان لقائي به هو الأول والأخير، وكأن اللقاء به اليوم عبر هذه المقالة التي آمل أن تكون بمثابة الدعوة له بالمغفرة والرحمة، وأن يجعل الجنة مثواه مع عباده الصالحين.

وعزائي لأبنائه وأخوته وأبناء عمومته ولأسرة المالك كافة. و{إِنَّا لِلّه وَإِنَّا إِلَيْه رَاجِعونَ}.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد