سبق أن فازت المملكة العربية السعودية بعضوية المجلس التنفيذي للمنظمة العالمية للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو)، والدول التي تحرص على أن تحظى بهذه العضوية نوعان: دول تنافح وتكافح للحصول على العضوية، لأنها تمتلك رؤى، وتعد نفسها صاحبة رسالة تسعى جاهدة من أجل تمرير تلك الرؤى والرسالة، وفرضها على فعاليات المنظمة وجداول أعمالها، والتحكم في قراراتها وتسيير سياساتها.. ودول تجهد للحصول على العضوية من أجل مقولة أنها عضو في المجلس التنفيذي، وما يتبع هذه العضوية من ميزات السفر إلى باريس والإقامة فيها مدة فعاليات جلسات المجلس التي تمتد إلى قرابة الأسبوعين وأكثر، واستثمار هذه الإقامة بالتمتع في مطاعم باريس الفخمة، ومحلاتها الفاخرة، ومناظرها الخلابة، والتجول في شارع الشانزليزيه وذرعه يمنة ويسرة. هذه الحال ليست قاصرة على من يحظى بالعضوية في منظمة اليونسكو ولجانها الدورية، بل إنها حالة عامة تنسحب على المنظمات كافة، وخاصة ما يكون منها في مدن مثل باريس وأخواتها، والشواهد على ذلك متواترة معروفة.
يذكر أحد أعضاء الوفد المرشح للمشاركة في فعاليات إحدى المنظمات التربوية، أنه قبيل السفر التقى الوفد بمعالي وزير التربية في بلاده، للاستئناس بمرئيات معاليه وتوجيهاته، في بداية اللقاء شخص معالي الوزير أعمال هذه المنظمة وأخواتها، ثم وجه بأهمية قراءة الوثائق بدقة وتمعن، وتدوين التعليقات والملحوظات عليها، لأن البعض يأتي إلى تلك المؤتمرات وهو لم يطلع على الوثائق ولم يقرأها، وقال: لهذا سوف تلحظون أن هؤلاء يشدهون بما يسمعون، ويوافقون على ما يطرح دون تمحيص أو تدقيق، وكانت خلاصة رؤاه أن لا فائدة ترجى من المشاركة في هذه المنظمات، وكان حاداً واضحاً في موقفه من جدواها، صريحاً في تشخيصه لقدرات العاملين في هذه المنظمات، والمشاركين في فعالياتها، يائساً من دورها، وما يتمخض عنها من رؤى وتوصيات، ظن أعضاء الوفد أن معاليه مبالغ متشائم في رؤيته، منفعل في موقفه، ولكن واقع الحال بعد المعايشة، كان أسوأ مما سمعوا من معاليه، ولهذا تأكد لديهم ما يعرفونه عنه من دقة ونزاهة وحكمة، وصواب رأي، وثاقب بصيرة.
وذكر آخر حضر فعاليات (اليونسكو) أنه دهش مما رآه من بعض الوفود المشاركة في أعمال اللجان، فقال: لاحظت أن هناك فئة من ممثلي الدول تعنى بمظهرها أكثر من عنايتها بما تطرحه في إعمال اللجان من أفكار ورؤى وتعليقات، حيث إن الواحد من هؤلاء مثل (الرادار) يتلفت يمنة ويسرة يجوب القاعة بنظراته، يتفحص الآخرين بنظرات بلهاء، وفضول لا ينقطع، غير آبه ولا معني بالوثائق وما يثار حولها من تعليقات واعتراضات، كل همه أن يشبع نهمه في تفحص الوجوه، والاكتفاء بالمظاهر والقشور، ولو سألته ماذا قيل في الجلسة؟ وماذا تم فيها؟.. لقال بكل برود: لا أدري، بينما هناك وفود منكبة على أوراقها، منهمكة في متابعة العروض والتعليقات، مشاركة بالمداخلات والتصويبات، تسجل كل شاردة وواردة، تتلقف كل جديد، وكل مفيد، تدونه في مدونات منظمة مرتبة، تستخلص منه الأفكار والرؤى، لكي تقدمها لمراجعها، مشفوعة بتوصيات حيال ما يمكن الاستفادة منه وتطبيقه في بلادها.
خلاصة القول إن الانضمام إلى عضوية المنظمات ولجانها، لا يعد مكسباً بحد ذاته، ما لم يكن لدى الدولة التي تحرص على الانضمام جدية وعزم على الاستفادة والإفادة، ورؤية ورسالة، ومنهجية عمل منضبطة في المشاركة والتفعيل، وهذا ما نحسبه في وزارة التربية والتعليم وقادتها في المملكة العربية السعودية، فالمملكة صاحبة رسالة إنسانية عالمية، ولديها رؤية حكيمة، وتمتلك مخزوناً ثقافياً وحضارياً وتربوياً مميزاً، وباستطاعتها أن تؤثر في مجريات العمل التربوي في المنظمة، بل وتقوده إلى ما يحقق واقعاً أفضل في هذه المنظمة التربوية العالمية وغيرها من المنظمات التربوية الإقليمية والعربية والإسلامية.