يا سيدي البحر هبني ماءك الصافي
وارفق بقلبٍ رقيقِ الوجد رفّاف
وارحم مسيري فإني فيك مرتحلٌ
مستشرفٌ للمنى في حضنك الدافي
أضحى فؤادي مع النسمات مبتهجاً
يسعى بأشرعةٍ، أو دفع مجداف
يغوص في سحرك الفياض منتشياً
ويلثم الماء في نَهَمٍ وإسراف
ويلمس القاع والأشواق تغمره
ويزرع الحب في نبتٍ وأصداف
ويرتقي الموج يعلو فوق هامته
ويشعل الصوت في مكنونك الخافي
يقول -يا بحر- هل تدري بدنيتنا
كيف استحالت لأحلامٍ وأطياف؟
وكيف مرت بنا والدهر يدفعنا
إلى الأمام ويسبي عمرنا الوافي؟
هلا تذكرت أياماً لنا سلفت
كانت لأحزاننا كالبلسم الشافي
عشنا صباحاتها أنساً وبهرجة
ثم ارتشفنا مساءً كأسها الضافي
وهل تذكرت أياماً لنا سبقت
عشنا معاناتها من كل أصناف؟
على السواحل صبحاً كان موعدنا
نستودع الأهل في هم وأوجاف
في رحلة الصيد لا تخفى مخاطرها
بين الرياح وموجٍ غدره خاف
لكنهم بالرجا والعزم قد مخروا
ورحمة الله ترعاهم بألطاف
وكيف -يا بحر- كنا نزدهي فرحاً
عند الزوال إذا عادوا بأضعاف؟
من منبع الخير، من أرزاق خالقهم
وفي المحيا شعاع بالرضا هاف
فيستمي ليلنا زهواً بعودتهم
ونحمد الله نعم الحافظ الكافي
فهل تبقى لنا -يا بحر- من لحظ
في قصة الأمس نحياها كأسلاف؟
أم أنها أصبحت ذكرى نخلدها
تهتز من فيضها قلبي وأطرافي
جازان