يدرك الجميع حرص المملكة العربية السعودية على أن ينعم لبنان بالاستقرار الذي يستحقه شعبها العربي، ولذلك لعبت المملكة دوراً أساسياً في إطفاء نار الحرب الأهلية السابقة والتي امتدت لقرابة خمسة عشر عاماً، عبر رعايتها لاتفاق الطائف، كما عملت المملكة على وأد فتن عدة كادت أن تشتعل، وآخرها ما حدث مطلع الشهر الجاري. فتسلسل الأحداث الأخيرة يشير إلى مدى اهتمام المملكة بأمن لبنان. فالمملكة وشقيقتها مصر دعتا إلى عقد اجتماع وزاري عربي عاجل من أجل تدارس الموقف في لبنان، وإيجاد حل للأزمة التي اندلعت إثر سيطرة حزب الله عسكرياً على بيروت في أعقاب حوادث أودت بحياة 65 شخصاً وأصابت 200 شخص آخرين بجروح. وعلى الرغم من التشكيك الذي روجت له بعض الأوساط حول قدرة الدول العربية على حل الأزمة اللبنانية، فإن وزراء الخارجية العرب شكلوا لجنة وزارية بقيادة وزير خارجية قطر الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، وبمشاركة عدد من الوزراء العرب، وأمين عام الجامعة العربية السيد عمرو موسى. وانطلقت اللجنة إلى لبنان، والتقت عدداً من الفرقاء، ثم دعتهم إلى الدوحة من أجل الحوار الذي انتهى بالاتفاق التاريخي، ذلك الاتفاق الذي كانت المملكة من أوائل من رحب به فور توقيعه. وفي هذا السياق، فإن انتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية اللبنانية بالأمس خطوة في الاتجاه الصحيح تعزز ولا شك اتفاق الدوحة. وأهمية هذا الانتخاب تتضح في كونه جاء بعد 19 تأجيلاً مما تسبب في أن يظل منصب رئيس الجمهورية شاغراً لستة أشهر وتحديدا منذ الرابع والعشرين من نوفمبر الماضي مع انتهاء ولاية الرئيس السابق اميل لحود، وذلك في إطار أزمة امتدت لأكثر من 18 شهرا. خطوة الأمس بحاجة إلى خطوات أخرى تدعم اتفاق الدوحة، كاختيار رئيس الحكومة ووزرائها، وعدم تعطيلها من قبل المعارضة التي حصلت على الثلث المعطل وفقاً للاتفاق. بالإضافة إلى تفعيل البرلمان ومناقشته للبنود الإصلاحية الواردة في قانون1960م الانتخابي، واستئناف الحوار برئاسة رئيس الجمهورية، وأهم من كل ذلك البعد عن التخوين الذي يشيع حالة من الاحتقان السياسي، ويؤجج المشاعر، ويضع البلاد على فوهة بركان ثائر. هذا عدا عن أهمية الابتعاد عن استخدام السلاح في الاختلافات بين أبناء الوطن الواحد.