(أُحيي فيك وفي شعبك المحافظة على الدين والأخلاق أولاً وقبل كل شيء، إضافة إلى احترام الخط الحيوي بين الرجل والمرأة، والتي هي سبب سقوطنا في أميركا أخلاقياً ومدنياً واجتماعياً).. هذه فقرة من رسالة (غاري نيلر) إلى خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - وفقه الله- التي وجهها عبر جريدة الحياة ونُشرت في عدد يوم السبت الماضي 19-5-1429هـ، وكلنا يعلم الضجيج الداخلي اليوم ومنذ زمن ليس بالقصير حول هذا الخط الفاصل بين الجنسين (الذكر والأنثى) ومحاولة البعض من المثقفين والكتاب طمس معالمه وتوهين عزيمة (آخر الرجال وقوفاً في العالم) كما أطلق عليهم هذا المؤلف الأمريكي في كتابه (لعنة عام 1920م).. والجيد أن هذا الكاتب وبكل وضوح يرجع سقوط الولايات المتحدة الأمريكية الأخلاقي والمدني والاجتماعي إلى عدم احترام الخط الحيوي بين الرجل والمرأة، ومع أن هذا الاعتراف كما يعرف البعض ليس بجديد في الفكر الاستشراقي إلا أن صدوره من أمثال هؤلاء المفكرين المعاصرين وفي هذا الوقت بالذات تذكير لنا نحن بأهمية البقاء على ما نحن عليه والمحافظة على قيمنا ومسلَّماتنا وتقاليدنا وعاداتنا.. فنحن في نعمة قد لا يشعر بها البعض منا أو لا يقدّرها قدرها رجالاً كنا أو نساء.. ومتى زالت أو تغيَّرت لأي ظرف من الظرف عرفنا قيمتها وتحسرنا على زوالها، ولو تأمل الواحد منا حال عالمنا العربي القريب وقرأ بإنصاف تجربة المساواة المزعومة وتوابعها لعرف الحق من الباطل والصحيح من السقيم إن كان صادقاً في وطنيته حريصاً على مجتمعه ويحب له الخير و(العاقل - كما قيل - من اتعظ بغيره)، والشواهد العالمية على وجوب احترام هذا الخط الفاصل عديدة ومعروفة عند الكثير.. ذلك أن الحياة لا تقوم ولا تستقيم إلا بهذا التباين في الخلق والتنوع في الدور.. وتوزيع الأعمال وتنسيق الأدوار وفق التخصصات والمؤهلات والقدرات - يُعد في علم الإدارة - من أكبر وسائل النجاح والتقدم، وأنجعها - على الإطلاق - ما كان متوافقاً مع الفطرة، متسقاً مع الخلقة، منسجماً مع التهيئة النفسية، ومن ثم فمساواة المرأة بالرجل، أو الرجل بالمرأة هدم للأنوثة، وإفساد للرجولة، وقطع لصلات المودة والرحمة، وتضييع لدور الأمومة والقوامة، فالمرأة لا يمكن أن تكون رجلاً لتقوم بدوره الذي هيأه الله له، ولا الرجل يمكن أن يكون امرأةً ليقوم بدورها الذي هيأها الله إليه, ومن هنا حرص الإسلام أن يحافظ كل واحد منهما على خصائصه ومنع مجرد تشبُّه أحدهما بالآخر حتى ولو كان تشبُّهاً في أمر بسيط ومستهجن, كما روى عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (الْمُتَشَبِّهِينَ مِنْ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ وَالْمُتَشَبِّهَاتِ مِنْ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ).. ذلك لأن الإسلام يريد أن تبقى الرجولة حية في نفوس الرجال ليقوموا بدورهم، وتبقى الأنوثة حية في نفوس النساء ليقمن بدورهن.. إن جهل كثيراً من أمم الأرض لما بين الرجل والمرأة من تباين واختلاف جعلهم يضطربون في نظرتهم لإرساء مبادئ العدل بينهما، ومن هذا الباب ضلَّ دعاة التحرير والمساواة فكانت النتيجة مصادرتهم حقوق المرأة باسم المساواة، وإيقاعهم عليها عبئاً مادياً ومعنوياً دون أن يتحملوا من مسؤولياتها شيئاً، حتى أصبحت المرأة في ظل النظام المادي الرأسمالي لا تأكل إن لم تعمل، ولا تأمن إن لم تتول حماية نفسها بصورة كاملة، فقدت المرأة أنوثتها، وانتُهك عرضها في الطرقات، وضُيّعت كرامتها باسم المساواة.. إن الشريعة الإسلامية خلاف ذلك كله فهي - كما سبق - انطلقت في تشريعاتها من مبدأ (ليس الذكر كالأنثى), فراعت الفوارق، وحققت العدل، وأثبتت أن النساء شقائق الرجال، لهن حقوق وعليهن واجبات متعادلة مع الرجال غير متساوية في كل الأحوال، لكنها متطابقة ومتناسبة مع طبيعة خلقة المرأة وفطرتها ودورها ومهامها.. وإنني في هذا المقام أُثمِّن وأشكر هذا الرجل المنصراني الأمريكي (غاري نيلر) الناصح لنا والمطالب في رسالته إلى من سماهم (إخوانه في السعودية) برفض كل الأصوات المطالبة بفتح المجال أمام المرأة للتصويت والمشاركة السياسية.. محذِّراً من لعنة مقبلة تشبه تلك التي أصابت الولايات المتحدة الأمريكية حينما أتيحت الفرصة للمرأة الأمريكية لإسماع صوتها والمشاركة في التصويت.. ليس هذا فحسب بل إنني أعتقد جازماً أن بلادنا المملكة العربية السعودية بما لها من ثقل عالمي ورجاحة في الطرح وتوازن في الرؤية وثقة في سلامة المنهج والفكر مرشحة للنقاش الواعي والمتزن حول هذه الإشكالية العالمية الساخنة برؤية وسطية عالمية تدحض بها الفرية وتحقق من خلالها الوجود العالمي في أطروحة بديلة عمّا تنادي به المحافل الدولية جزماً هي وحدها ما يلائم المرأة أينما كانت، ذلك أن الرؤية الإسلامية الصحيحة التي عرفها المجتمع السعودي رؤية قائمة كما سبق على ما يتلاءم مع فطرة المرأة، ووجودها الإنساني، وعلاقتها الطبيعية بالرجل، والذي اعتقده كذلك أن هناك ضعفاً في إيصال الرؤية الإسلامية الحقيقية إلى المجتمع الإنساني، والصوت الموضح للحقيقة في المؤتمرات والملتقيات العالمية لا يملك من الفصاحة ما يمكنه من الجهر بالحق، فهو لا يكاد يبين إن كان له شرف الحضور في هذه المناسبات العلمية والسياسية وإن أبان فبكلام عاطفي ولغة عاجزة عن الإقناع الأمر الذي يمنح الفرصة للمنظِّرين والمفكرين والساسة بتجاهل هذا التصور وفرض تصورات تتلاءم واتجاهاتهم على مختلف نواياها وأهدافها ثم محاولة تمثُّلها في العالم بأسره ومنه هذه البلاد ومن خلفها عالمنا العربي والإسلامي بأسره في عصر العولمة البائس والصعب.