بعد أن استمعت إلى حديث رجل الأعمال السعودي الذي كوَّن في مسيرة عمره البالغ خمسة وستين عاماً ثروة كبيرة، ثم توقف عند سورة التكاثر توقُّف المتأمل المتدبر فأخذ يراجع حساباته، وقد تجلى له المعنى العميق في هذه السورة التي يكررها المسلمون في صلواتهم كثيراً دون أن يقفوا عندها متأملين متدبرين. |
بعد أن سمعت حديثه عزمت على الرجوع إلى ما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته والسلف الصالح من أقوال في معاني آيات هذه السورة المباركة. |
ورد عن الرسول عليه الصلاة والسلام أنه قال: (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ) عن الطاعة، (حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ) حتى يأتيكم الموت. |
وقال عبدالله بن الشخير: انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ)، يقول ابن آدم: مالي، مالي، وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت). وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول العبد: مالي مالي، وإنما من ماله ثلاث: ما أكل فأفنى، أو لبس فأبلى، أو تصدق فاقتنى، وما سوى ذلك ذاهب، وتاركه للناس. رواه مسلم في صحيحه. |
وروى أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: يتبع الميت ثلاثة، فيرجع اثنان ويبقى معه واحد: يتبعه أهله، وماله، وعمله، فيرجع أهله وماله، ويبقى عمله، وورد عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: (ما زلنا نشك في عذاب القبر حتى نزل قوله تعالى (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ) وهي من السور التي نزلت بمكة. وقد تأمل عمر بن عبدالعزيز قوله تعالى: (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ) فلبث عندها قليلاً يتأمل، ثم قال لميمون بن مهران، وكان بجواره: يا ميمون ما أرى المقابر إلا زيارة، وما للزائر بُدُّ من أن يرجع إلى منزله فإما إلى جنة وإما إلى نار. |
وقد ورد عن بعض الأعراب أنه لما سمع قوله تعالى (حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ) قال: بُعث الزائر ورب الكعبة، لابد للزائر أن يرحل من مقامه إلى غيره. وقال الحسن البصري عن قوله تعالى: (كَلا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * كَلا لَوْ تَعْلَمُونَ) هذا وعيد بعد وعيد، وفي تكرار (كلاَّ) في هذه الآيات الكريمات لفت للنظر، وتحريك للذهن الغافل (كَلا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ) أي: لو علمتم حق العلم، لما آلهاكم التكاثر في الدنيا عن طلب الدار الآخرة، حتى صرتم إلى المقابر، وأنتم غافلون لاهون. |
أما النعيم الذي يُسأل عنه الإنسان فهو: الأمن، والصحة، واحتذاء النعال، وشرب الماء البارد، وظلال المساكن، والأكل المشبع، ولذة النوم، واعتدال الخلق، وكل لذة من لذات الدنيا. |
وقد روى ابن عباس عن الرسول صلى الله عليه وسلم قوله: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ) ومعنى هذا أنهم مقصرون في شكر هاتين النعمتين لا يقومون بواجبهما، ومن لا يقوم بحق أمر واجب فهو مغبون فيه. |
|
لا تسلني عن يدٍ راجفةٍ |
لم تَزَل تشري أساها وتبيعْ |
|