سنة ساحوق هي سنة من سنين الله مرّت وضرّت في سنين مضت؛ وقد سحقت كل ما يملكه الناس من أنعام وماشية ونخيل وزروع ونحو ذلك من مقومات الحياة والبقاء، حتى صار الناس في جوع مريع وفقر مدقع جداً، ولعل من آثارها أن هاجرت جماجم من النجديين بالذات إلى الهند والشام والخليج والزبير لطلب القوت لأسرهم، والقيام على بقائهم أحياء، بل أكل الناس الجيف والجلود وغيرها مما كانوا يتعففون عنه.
والسحق والمحق كلمتان يستعملهما العامة للدعاء بالضرر على المقابل، فيقولون (جعلك الساحق والماحق) فإذا ما اجتمع السحق والمحق فلا بقية باقية.
وسنة ساحوق تلك أنهكت الناس كلهم؛ غنيهم وفقيرهم حتى تساوت الطبقتان فلا فرق بينهما حتى إن الطبقة الوسطى التوازنية قد ذابت حتى التحقت بالفقيرة.
عند هذه الحالة يهتز المجتمع ويختلف ترتيبه ويسير بلا اتجاه؛ لأن الطبقة الوسطى هي ترمومتر التوازن بين الغنية والفقيرة؛ فهي توصل حاجات الفقيرة للغنية، وبالعكس توصل عطف الغنية وصدقاتها للفقيرة؛ لأنها تعرف كلا الطرفين معرفة جيدة فتكون بمثابة المؤشر الذي يعطي التحذير لدرجة الغليان الشديد.
وفي هذا الزمن الجاتي (نسبة للجات) جاء ساحوق جديد محق كل ما جمعه الناس للسنوات العجاف، أو كما يقولون (ما جمعه الذر ياكله البعير)، إذ إن سوق الأسهم قصقص الأجنحة كلّها فصارت الطيور بمختلف أشكالها تزحف ولا تنهض للأفق، بل نفق أغلبها.
وهزة سوق الأسهم أنهت الطبقة الوسطى وجعلت المجتمع طبقتين غنية لحد البطر وفقيرة لحد الإدقاع، ولعل هذه هي أخطر وأنحس منتجات سوق الأسهم السعودي، وهذه مشكلة إذا ما اندثرت الطبقة الوسطى؛ لأنها هي التي تحفظ التوازن الاجتماعي والفكري والاقتصادي ونحوه، بل إن الطبقة الوسطى هي مموّل رئيس لثراء الغنية ولحاجة الفقيرة؛ ولأن معظم المتصدّقين هم من الوسطى، وهم الذين يصلون ما انقطع، ويخففون غضب الفقراء.
ساحوق الجديد لم يضطرنا لأكل الجلود ونحوها كما فعل ساحوق الأول بأجدادنا الأولين، لكن هو من استفادت منه العيادات النفسية. نرجو من الله أن تزول عنا تلك الغمّة والهم.
فاكس: 2372911
Abo_hamra@hotmail.com