Al Jazirah NewsPaper Sunday  25/05/2008 G Issue 13023
الأحد 20 جمادى الأول 1429   العدد  13023
الأخ الأكبر والتيبت وزلزال سشوان
أندرياس ناي - شنغهاي

لقد تحولت السيطرة الإعلامية الصارمة التي كانت مفروضة على تغطية الاضطرابات في التيبت إلى ما قد ينظر إليه البعض باعتباره تغطية أكثر انفتاحاً للزلزال المدمر الذي ضرب إقليم سشوان. تُرى هل يشكل هذا تغييراً في الإستراتيجية الإعلامية في الصين، أم أنه مجرد تغيير قصير الأمد في التكتيكات؟

يبرز هذا السؤال في ضوء الرأي العام في الصين أثناء المرحلة الأخيرة من أزمة التيبت. لقد أصيب الإعلام الغربي بالهلع حين شن أفراد الشعب الصيني في كل مكان من العالم هجوماً ضارياً ضد تحيز الإعلام الغربي المزعوم في تغطيته لأحداث التيبت الأخيرة. فقد نزلت إلى الشوارع حشود من المغتربين والطلاب الصينيين، احتجاجاً على التحيز الذي لاحظوه في تقارير أجهزة الإعلام الغربية، حتى إن بعض الشباب الغاضب أسسوا مواقع على شبكة الإنترنت مثل anti - cnn.com للتعبير عن غضبهم.

إن التقارير الإخبارية الغربية، التي كانت تُمتدَح ذات يوم لدقتها أصبحت اليوم تتمتع بسمعة غير طيبة في الصين بالكامل، رغم أن التغطية المتعاطفة للخسائر الهائلة في الأرواح في إقليم سشوان ربما أصلحت موقف الإعلام الغربي بعض الشيء، حتى الليبراليين من أهل الصين يرون أن الصحافيين الغربيين تخبطوا على نحو مؤسف فيما يتصل بتغطية أحداث التيبت، حيث استخدموا صوراً مقصوصة ومركبة وعناوين زائفة للتدليل على قسوة النظام الحاكم في الصين. حتى إن بعض المشاركين في البوابة الشعبية الصينية الشهيرة على شبكة الإنترنت Tianya، ذهبوا إلى أن (قناة CNN لا تختلف عن قناة CCTV (التلفزيون الصيني المركزي) فكل منهما تتحدث بكل جلال وإطناب عن النزاهة وعدم التحيز، ثم يؤكد الواقع أن الرياء مذهبهما).

قد يزعم البعض أن هذا الميل لا يبشر بالخير بالنسبة للصين، إلا أن التشاؤم هنا ليس في محله؛ إذ أن القدر الأعظم من غضب الصينيين موجه نحو التقارير المنحازة، وليس ضد الإعلام الغربي عموماً، وحين ننظر من مسافة أقرب إلى استجابة الصينيين للاضطرابات في التيبت وزلزال سشوان، فلسوف نرى علامات وإشارات ملموسة تؤكد أن الصين أصبحت تشجع درجة أعظم من حرية التعبير.

ورغم التعتيم الإخباري أثناء أحداث الشغب التي شهدتها لاهاسا، على سبيل المثال، إلا أن مستخدمي الإنترنت في الصين تمكنوا من تفادي رقابة الدولة والالتفاف من حولها، وبقدر اشمئزاز الصينيين من الصحف المحلية التي أبدت طاعة عمياء لتعليمات وكالة الأنباء الصينية التابعة للدولة (Xinhua)، فقد نظروا بنفس القدر من الازدراء للإعلام الغربي الذي أساء تغطية الحدث تماماً. ونتيجة لهذا فقد أدرك الصينيون الذين يستخدمون شبكة الإنترنت كمصدر للأخبار أن أي وصف للأحداث سواء كان صينياً أو غربياً لم يكن خالياً من العيوب، وربما لعب هذا التشكك الذي يشكل سمة جوهرية للعقلية الديمقراطية دوراً مهماً في دفع الحكومة نحو المزيد من الانفتاح في التعامل مع كارثة سشوان.

كان تهدم العديد من مباني المدارس بسبب زلزال سشوان سبباً في احتجاجات صارخة من جانب مستخدمي الإنترنت الذين استجوبوا المسؤولين المحليين حول ما إذا كان البناء دون الالتزام بمعايير البناء المتعارف عليها، أو حتى ما إذا كانت العشوائية في البناء، على غرار فضائح البناء الشهيرة، سبباً في الأعداد الهائلة من التلاميذ الذين ماتوا في الزلزال. وتحت الضغوط الشعبية المتصاعدة شعر المسؤولون الحكوميون بالتزامهم بالوعد بتقديم كل من كان مسؤولاً عن ذلك إلى العدالة.

وعلى عكس ما كان يحدث في الماضي، حين كان مستخدمو الإنترنت من أهل الصين يستقبلون المعلومات بكل سلبية، فإن أعواماً من التعرض لمفاهيم مثل حقوق الإنسان والديمقراطية أكسبتهم قدراً من الجرأة اللازمة لتحدي وجهات النظرات المثيرة للشكوك على الرغم من رسوخها، حتى ولو كان في ذلك تحطيماً للمؤسسات التقليدية. لقد فاض الكيل بالمواطنين الصينيين من المديح البراق الذي تبثه قناة CCTV، بقدر ما سئموا من التقارير الساذجة الخالية من القرائن التي يبثها الإعلام الغربي، وبعد أن وجدوا أنفسهم بين شقي الرحى استقر عزم أهل الصين على تحري الحقيقة بأنفسهم.

ولقد حاول كثيرون منهم أن يقدموا للعالم الخارجي رؤيتهم الخاصة للأحداث التي شهدتها التيبت، ففندوا الرواية التقليدية - سواء كانت صينية أو غربية - ونشروا التعليقات ومقاطع الفيديو على مواقع مثل YouTube، وbulletin board التابع لل BBC. فضلاً عن ذلك فقد أقرت بعض المنافذ الإعلامية الغربية في النهاية بأخطائها، بعد مساعيها المتكررة للحصول على تفسيرات حقيقية.

بعد أن أدركت الحكومة الصينية نجاح الحركات الشعبية المستقلة في إقناع المواطنين الصينيين العاديين، بينما فشلت الدعاية الحكومية في أداء نفس المهمة، فقد قررت رفع الحظر الذي فرضته على التقارير الإخبارية بشأن أحداث التيبت في البداية، كما أصبحت رقابة الحكومة الصينية المفروضة على الإنترنت أقل صرامة وتكراراً، ومن الواضح أن الحكومة الصينية بدأت في إدراك عجز أساليب التعتيم والمماطلة، بل وربما أدركت الفوائد المترتبة على السماح ببعض الحيز من حرية التعبير.

إن هذا التعطش للمعلومات غير المنحازة يسلط الضوء على التغيير الهائل الذي أحدثته شبكة الإنترنت على الساحة السياسية في الصين، فاليوم لم تعد الحكومة تحتكر المعلومات أو الحق في تناول هذه المعلومات، وأصبحت المدونات الجادة على شبكة الإنترنت تجتذب أعداداً من الزوار أكبر مما تجتذبه المواقع الرسمية الناطقة باسم الحكومة، إنه (مجتمع مدني افتراضي) تحت الإنشاء.

ولكن هل تنضج هذه الحركة النشيطة على شبكة الإنترنت حتى تتحول إلى حملة شاملة للمطالبة بحرية التعبير دون أن تُستغَل من جانب الحكومة أو يضللها الإعلام الغربي؟ قد تكون الردود على هذا التساؤل متفاوتة إلى حد كبير، مما لا شك فيه أن ردود الأفعال الشعبية المعادية الشرسة ضد الإعلام الغربي كانت مدفوعة جزئياً بقدر من الحماسة القومية، على نحو يصب في مصلحة الحكومة. وقد تؤوي شبكة الإنترنت من الغوغاء أعداداً تتجاوز أعداد المحللين الجادين، إلا أن أفضل الطرق لمنع هذا يتخلص في توفير البيئة التي تستطيع الآراء المتعارضة في إطارها أن تتصادم بحرية، لتمكين الحقيقة من الانتصار في النهاية.

ربما كان الإعلام المنفتح في التعامل مع كارثة سشوان مجرد محاولة من جانب الحكومة الصينية لتهدئة الانتقادات بعد الاضطرابات التي شهدتها التيبت، والمشاجرات المستمرة بشأن الشعلة الأوليمبية. إلا أن استعداد الحكومة للتعامل بجدية مع التساؤلات المطروحة بشأن البنية الأساسية العشوائية يشكل اختباراً لصدق تسامحها مع المزيد من حرية التعبير.

رغم أن حرية التعبير ليست الدواء لكل البلايا التي تعاني منها الصين، إلا أن مجرد ترسيخها من شأنه أن يساعد في استمرار التقدم الذي حققته البلاد. ورغم العينين اليقظتين للأخ الأكبر في بكين، إلا أن شبكة الإنترنت تعمل الآن على نثر بذور حرية التعبير في الصين، وقد يكون في هذا الدرس الأعظم الأهمية التي أسفرت عنها أزمة التيبت ثم كارثة سشوان.

أندرياس ناي كاتب يقيم في شنغهاي - خاص ب«الجزيرة»



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد