Al Jazirah NewsPaper Saturday  24/05/2008 G Issue 13022
السبت 19 جمادى الأول 1429   العدد  13022
شركات توظيف الأموال تتسم بعمليات النصب والاحتيال
إبراهيم بن عبد الله الشثري

ليس أدعى إلى سعادة الإنسان في حياته، من أن يرى أبناء مجتمعه في درجة عالية من الوعي والفهم لا يخدعهم محتال مخاتل، وهو في داخله لص محترف أناني، يبني ذاته على حساب الآخرين، وقد تزايدت في الفترة الأخيرة صور منوعة لجرائم مالية تعرض أصحابها للمساءلة القانونية والقضائية أمام الجهات المعنية، لو أنّ الناس انتبهوا ولم يدفعهم الطمع والشره، فتوظيف الأموال هو في أصله استثمار من نوع يتطلّب وجود عوامل يفرضها النظام العام الذي يهدف إلى توفير الحماية القانونية والقضائية لأموال الناس من المواطنين والمقيمين، حتى لا تتعرض أموالهم إلى أخطار الخسارة أو الضياع.

فالسلوك الذي ينتهجه البعض من المستثمرين والمضاربين في أموال الناس، من خلال الدعاية والإعلان بأي وسيلة تصل إلى عموم الناس، يقصد منها إقناع أكبر عدد ممكن من العملاء بتسليم أموالهم إلى ذلك المستثمر بغرض استثمارها أو توظيفها أو تشغيلها لتحقيق أرباح يتم الوعد بها شفاهة أو كتابة.

وهنا نجد أنّ الجهات المسؤولة تتدخل في وضع الضوابط الرقابية والمحاسبية، فضلاً عن الترخيص لذلك المستثمر بممارسة النشاط، بعد التحقق من الضمانات الفعلية التي يمكن بها الرجوع إليه لسداد حقوق الناس، حيث تم بالفعل مساءلة البعض من المستثمرين الذين خاطروا بأموال عدد كبير من العملاء، وعرضوا مصالح الآخرين للخطر المحتمل في هلاك رأس المال، وإقحام عملائهم في نزاعات قضائية لا يبدو أنّها ستنتهي إلى ما يعيد الحقوق لأصحابها ..

ونحن نشاهد صوراً متعددة لمحتالين يخادعون الناس بدعاية توظيف الأموال، حيث يسقط بين فترة وأخرى متهمون جدد أوهموا ضحاياهم بإقامة مشروعات تدرّ أرباحاً ضخمة، فيصدقهم المساكين والطامحون في الثراء، ويودعون أموالهم ليكتشفوا بعد فوات الأوان، أنهم وقعوا ضحية لجرائم نصب، أدواتها الإعلانات بأشكال مختلفة، بعضها في الصحف وبعضها بطرق شخصية، قد يكون منها استغلال لأسماء بعض الشخصيات التي تحظى بسمعة جيدة عند الناس، وتبدأ وقائع الجريمة بدعايات شخصية عن أفراد يستثمرون أموال الآخرين، في مقابل فوائد عالية لا توفرها جهات الاستثمار الرسمية، أو من خلال كيانات غير مرخص لها .. يستدرجون الناس فيها عبر تحقيق أرباح سريعة ومغرية بأرباح خيالية في غضون فترة قصيرة جداً، مما يوجد حالة حماس بين المستثمرين الذين يتدافعون لضخ أموالهم طمعاً في هذه الأرباح، حتى إن بعضهم ربما باع منزله، أو اقترض مبالغ ضخمة من أجل ذلك .. وتنتشر الآن قصص مأساوية كثيرة عن الكوارث التي عصفت بالمستثمرين وأحلامهم في الثراء العاجل والعوائد المجزية.

ورغم العقوبات الرسمية التي أوقعتها الدولة بحق الكثيرين، ورغم ما تعرّض له المودعون الذين وضعوا كل ما يملكون في تلك الشركات، أملاً في جني الأرباح الطائلة، فإذا بهم في النهاية يفقدون أموالهم، ورغم عدم وجود ضمانات تقدمها هذه الشركات، على الرغم من أنّ كل ذلك تعود شركات توظيف الأموال إلى الظهور بين فترة وأخرى على أيدي أشخاص أتقنوا فنون الوهم والنصب، حتى إنهم يوقعون في مصيدتهم بعض رجال الأعمال الذين يفترض فيهم العلم بالنظام والواقع، والذين تتوفر أمامهم عشرات الفرص الاستثمارية الآمنة والمربحة في آن واحد، ولذلك فإنّ العجب لا ينقضي من عدم تعلُّم الناس من كذب تلك الشركات التي لا تنفرد بها بلادنا، ولكن تحدث في دول عديدة بمسميات أخرى.

ومن هنا يمكن أن نتساءل عن الأسباب التي تجعل الناس يقعون في فخاخ هؤلاء المحتالين المخادعين، ولعلّ أقرب سبب يظهر من تأمل حال الناس، هو طمع المودعين الذين يرغبون في الحصول على نسبة فائدة أعلى، دون إدراك حجم المخاطر التي تتعرّض لها أموالهم، كما أنّ البنوك قد عجزت عن جذب أموال المودعين، مما جعلهم يلجؤون إلى شركات توظيف الأموال وهو نتيجة حتمية، خاصة أنّ الناس ليس لديهم ثقافة مصرفية، كما يمكن أن يضاف إلى ذلك طيبة الناس هنا وسهولة التأثير عليهم، من خلال عرض بعض الأفكار التي ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب.

على أننا نؤكد أنّ بلادنا تتوافر فيها فرص استثمارية كبرى، في حاجة إلى استغلال من المستثمرين السعوديين، وقد أصبحت هدفاً للكثير من الشركات والمستثمرين من أنحاء العالم، كما أنّ أنظمة هيئة سوق المال السعودية، التي أعلنت عن لائحة الصناديق، ستحمي الناس بإذن الله من تلاعب هذه الشركات، وستسهم في تنظيم تأسيس صناديق الاستثمار والصناديق العقارية، وطرح وحداتها وحماية حقوق مالكيها، وتطبيق قواعد الإفصاح والشفافية عليها، كما تمنح الفرصة للمستثمرين وفق قواعد قانونية واضحة، من استثمار تلك الأموال والمدخرات في أوجه الاستثمار المشروعة والمقننة، والتي تتيحها الدولة للمواطنين، والابتعاد عن شركات توظيف الأموال التي تتسم في غالبيتها العظمى بعمليات النصب والاحتيال، مع تسهيل إجراءات الاستثمار وتعديل الأنظمة وتنشيط الوعي الاستثماري لدى المواطنين، ومن هنا جاءت الحملة التوعوية الخاصة ضد التحايل في توظيف الأموال تحت شعار (حتى لا تفقدها)، من أجل تكثيف التوعية بوسائلها المختلفة لتبصير المواطنين والمقيمين بطرق وأساليب التحايل في توظيف الأموال التي وجّه بها صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض وسمو نائبه، سدد الله الجهود ووفق الجميع لما يحبه ويرضاه.

مدير عام الحقوق العامة بإمارة منطقة الرياض



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد