حقيقة أن الإسلام حين شرع نظام التعدد لم يكن إشباعاً لشهوة أو إرضاء لغريزة، أو لمجرد نزوة، لكن جيء به لضرورة وفق شروط محددة منها: العدل بين الزوجات في كافة الأمور (نفقة وكسوة وسكنى وحسن معاشرة) {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ} (3) سورة النساء، وفي الآية: 129 من نفس السورة يقول الله تعالى: {وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ}.
ومن شروط تعدد الزوجات أيضاً القدرة الحسية والوجدانية والمادية على السواء، والقدرة على الضبط السلوكي لأفراد العائلة، والتنشئة الاجتماعية الصحية للأبناء.
وقد يسن لحالة التعدد أن تكون حلاً مناسباً ومشروعاً يحد علة إذا ما اختل التوازن في المجتمع إذا زاد عدد الفتيات على الشباب في المجتمع فيتوجب حينئذ أن يقبل الرجال على الزواج بأكثر من واحدة ضماناً لحسن المسلكيات ودرء الشبهات وصيانة الفتيات تحرزاً من التصدي للمسلكيات اللا سوية خروجاً على معايير المجتمع، وقيمه الأخلاقية.
وشرط آخر يتمثَّل في كون المرأة (عاقراً) لا تلد، والرجل راغب في الذرية أو كون المرأة مصابة بمرض معدٍ أو مزمن مما يعيق الزوج عن ممارسة حياته الزوجية.. وقد يكون الرجل في حالة فوران جنسي مما يُلجئه للزواج من أكثر من زوجة حتى لا يدخل في دائرة السلوك غير المرغوب فيه، فيتفاقم به الشر ويعم الفساد في مسالك الحياة، والوقوع في الضرر.
هذه المحددات الشرطية التي أوردناها سالفاً مفادها أن إباحة التعدد تكون لضرورة لها مبرراتها وضمانتها في الوقت نفسه.
رداً على هذا فإن الاختصاصيين الاجتماعيين في المجتمع الغربي يرون عدم الاكتفاء بواحدة.. وها هو عالم الاجتماع (تومس) يقول: إن الفساد وتدهور وتراجع معايير الحضارة الثقافية حيث اكتظت المؤسسات الإيوائية بأعداد كبيرة من الأطفال اللقطاء كما تفاقمت حالات السفاح والزنا وإزاء ذلك ينادي (تومس) بأن الرجل لا بد من إتاحة الفرصة أمامه (قانوناً، وشرعاً) بأن يتزوج بأكثر من واحدة، حتى يزول البلاء وتزول شبكات بائعات الهوى، فمن العار أن يظل المجتمع الأوروبي مكتفياً بزوجة واحدة.. يقول (تومس) في حسرة بأنه لو لم تسمح النظم الكنسية بالتعدد لما رفع عنا هذا البلاء الأخلاقي (المرضي)، فالتعدد سبيل آمن لتلبية العوامل المجتمعية والأغراض الإنسانية في ضوء المحددات التي سبق ذكرها.
ومن ذوي العلم في المجتمع الفرنسي يقول (جوسقاف) بأن التعدد كان شائعاً لدى المسيحيين حتى القرن السابع عشر، وفي اليهودية مباح على الدوام، وإباحة الكنيسة بالتعدد وضعت له شرطاً واحداً هو الحصول على مستند موافقة على الزواج الثاني من الكنيسة، فالإمبراطور قسطنطين أخذ بنظام تعدد الزوجات وسار على دربه أتباعه وورثته.. وأيضاً الإمبراطور (فلتيات لم يكتب فقط بالسماح للتعدد بل بلغ مبلغاً أشد وأقوى بأن وضع قانوناً يتضمن في مواده ما يبيح الأخذ بالتعددية).
إن ما حرمته الكنيسة لم يكن محرماً من قبل ولم يحرمه الله وصدر في عهده قرار يجيز الجمع بين زوجتين، وفئة ممن قامت الحضارة الأمريكية على عاتقهم أعلنوا اعتقادهم بأن تعدد الزوجات هو نظام إلهي مقدس وقانون طبيعي يدور مع الإنسان والمجتمع الإنساني - وجوداً وعدماً - حيث ذكر هؤلاء أن نظرية التوحيد في الزوجة جلبت ثلاث إشكاليات جسيمة الانحرافات - والعوانس - واللقطاء، وهي بمثابة (أمراض اجتماعية) كفيلة بهدم البنيان الاجتماعي وأنساقه المختلفة.
وإن كان التعدد حلالاً فهو محكوم بالمحددات والشروط خشية الصدام مع وجوبية العدل وعدم الجور.. فإذا لم يكن ذلك كذلك لنتج عن التعدد فساد في النسق العائلي وضياع للحقوق والواجبات.. ومردود ذلك إحباط فاكتئاب، أو صراع فعدوان على الذات أو الآخر أو كليهما من جراء استلاب الحقوق وضياع الواجبات وطمس أسس وقواعد الاحترام.
والتعدد بدون مبرر تقتنع به المرأة فترتضيه، تستشعر في ذاتها بالاحتقار لأنها لا ترضى بأن تشاركها أخرى في حب فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة.
* الرياض