بعد صلاة المغرب وفي مسجدنا التفت لي جناب العم إبراهيم بن عبدالله التويجري، قائلاً لي: إن المتأمل يا فهد في الأوضاع التي نمر بها وتمر بنا يأسف أشد الأسف: لا مطراً ينزل، وبرد شديد أصابنا، ونفوق في الإبل، وهلاك للماشية، ومرض غريب حل بالطيور، وارتفاع في الأسعار، وهبوط فاحش في الأسهم.
كل هذا حصل في عام واحد، لا يدري أحد ما سببه، والعجيب أنه لا أسباب واضحة، اقتصادنا مرتفع، ومع ذلك معيشتنا ارتفعت، المواشي هلكت، مع أن وزارة الزراعة تقدمت، والطيور أصيبت مع تقدم الطب وتفننه، وبرد لم يرَ مثله عبر السنين، ومطر انقطع مع جزم علماء الأرصاد بأن مطراً قادماً سينزل، ولكن لا مطر، وأسعارنا ارتفعت مع ازدهار اقتصادنا (الله يعين أصحاب الدخل المحدود) وهبوط في الأسهم غريب مع أن اقتصاد الدولة قوي.
ثم قال: السبب واضح عند العلماء الربانيين وعقلاء الأمة، إنه غضب الرب وعقوبته، تذكيراً لنا وتحذيراً، وإلا فما معنا ما حصل، مرض يسير في نظرنا يصيب الطيور ثم يقف الطب بأسره عاجزاً ومتحيراً ومتفرجاً أمامه، الجدب والقحط الذي أصابنا، ثم ما معنى شدة البرد التي قضت على الأخضر واليابس، اسودت المزارع وهلكت الحقول، وماتت النخيل - سبحان الله- ما أعظم القوي المتعال ثم بماذا تفسر ارتفاع الأسعار مع قوة اقتصادنا، وكيف تؤول نفوق الإبل مع عظمها وقوة جسمها، إلا أن ما تقدم يا فهد يدل دلالة واضحة على أنها عقوبة رب السماوات والأرض، ففي الغرب الأقصى يهان القرآن ويرمى، وفي أوروبا يسب الرسول صلى الله عليه وسلم ويشتم، وفي الشرق يعبد غير الله ويكفر برسله وأنبيائه، فتعبد الأوثان والأبقار، بل في أقصى الشرق لا يقر بوجود الرب، وفي الشرق الأوسط وبلاد المسلمين يجاهر بالموبقات وأكل الربا، بل ويستهان بها والربا من أعظم المهلكات، ولعل دخول الناس وإجماعهم على المتاجرة في الأسهم، ودخولهم في الأسهم صغيراًَ وكبيراً، ذكراً وأنثى، وعالماً وجاهلاً.
حتى أهل الفضل والعلم، وأهل الصلاح والإصلاح وللأسف البالغ غايته دخلوا مع الناس، ولذا حلت هذه العقوبات، لما جاهر الناس بهذه الأسهم واستحلوها، ورضوا بها وعنها، وهناك فرق بين أن يقع فئة من الناس في الربا وأكل المتشابه، وبين أن يقع سواد الأمة به ويستحلوه بأدنى الحيل، حتى أصبحت في نظرهم مباحة، بل ويذم بعضهم من تركها أو تورع عنها، يقول الله عن اليهود وهم قتلة الأنبياء {وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَاعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً} (161)سورة النساء.
يقول ابن كثير في تفسيره: (إن الله قد نهاهم عن الربا فتناولوه، وأخذوه واحتالوا عليه بأنواع من الحيل، وصنوف من الشبه، وأكلوا أموال الناس بالباطل)، فهل من رجوع عن الربا والمتشابه، إلى الحلال البين من بيع وشراء، وأخذ وعطاء، حتى ترتفع عنا عقوبة الله فيما جرى ويجري لنا فإننا نخشى من عقوبة تجري علينا أنفسنا وأولادنا وزوجاتنا، انتهى كلام العم بمعناه.
فقلت: يا عم لا تنسى قول المصطفى صلى الله عليه وسلم (إن الحلال بين وإن الحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس؛ فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه؛ ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله في أرضه محارمه..) رواه البخاري ومسلم. وإلى اللقاء..
*المجمعة