في غضون السنوات القليلة الماضية اختلف حال التعليم العالي في مناطق المملكة العربية السعودية المختلفة اختلافاً جذرياً، فبعد أن كان فيما مضى وجود أي فرع لإحدى الجامعات السعودية القائمة حلماً يدغدغ مشاعر ويشغل هواجس المواطنين القاطنين تلك المناطق القريبة منها والبعيدة تأسست في عدد من المناطق جامعات جديدة تحتضن مختلف التخصصات العلمية والأدبية على حد سواء، وحرصاً من ولي الأمر وفقه الله على تجاوز مرحلة التأسيس بنجاح، ومن أجل الاستفادة الفعلية من خبرة ودراية من سبق في هذا المضمار الهام (التعليم العالي)، ومن أجل تسريع خطوات البناء لهذه الكيانات الجديدة سواء المادي أو البشري أو التنظيمي، لهذا كله رأى المشرع ومتخذ القرار إسناد مهمة الإدارة والمتابعة لهذه الجامعات الوليدة حديثاً إلى أصحاب المعالي مديري الجامعات القائمة ذات التاريخ الطويل والخبرة الإدارية والأكاديمية المعروفة، ومع أننا نتفق على روعة الفكرة وجودة التوجه هذا إلا أن المتأمل في وصاية هذه الصروح العلمية على الجامعات الجديدة يلحظ اختلاف الهمم وتباين عزائم الموكل لهم هذا الأمر، إذ إن هناك من كان جاداً في القيام بمستلزمات التأسيس عارفاً بطبيعة المنطقة التي تحتضن الجامعة الوليدة عالماً بمتطلبات المرحلة التي يمر بها التعاليم العالي محلياً وعالمياً وعلى دراية واسعة باحتياجات سوق العمل وتقلباته الحالية القائمة والمستقبلية المتوقعة ولديه إدراك تام لأهمية توظيف خبرات وطاقات جامعته الأم في دعم هذه الجامعة الجديدة، ولذا كان من هموم معاليه وأولوياته - وهو المكلف من قبل ولي الأمر رعاه الله - توظيف جميع الطاقات التي تحت يده في إيجاد البنية الأساسية المتكاملة لهذا الكيان الوليد فكان منه إنشاء المباني الحديثة والمتميزة التي تمتلكها الجامعة وتحتضن فيها كلياتها المختلفة اليوم وكذا تدريب الكوادر البشرية وتأهيلها علمياً وفنياً حتى يتسنى لها القيام بالأعمال الإدارية على أتم وجه وفي أحسن صوره إضافة إلى توظيف واستقطاب أعضاء هيئة التدريس المؤهلين والمتميزين من سعوديين وعرب وأجانب لضمان استمرار الدراسة بكل انسيابية وسلاسة من أول أيام العام الدراسي دون تأخير أو تقصير وإيجاد النظام الإداري الذي يتلاءم مع طبيعة الجامعة في سنواتها الأولى وتوفير التقنية اللازمة لهذه المرحلة من مراحل التعليم و...، وفوق هذا وذاك كان حريصاً على تنمية موارد الجامعة وتوظيفها التوظيف الأمثل، وبالفعل تسلم صاحب المعالي مدير الجامعة المعين حديثاً جامعته وقد تجاوزت كثيراً من العقبات التي غالباً ما تلازم مرحلة التأسيس، ولذا كان همه وشغله الشاغل منذ أيامه الأولى التخطيط والتطوير وخدمة المجتمع وتعزيز حركة التأليف والبحث العلمي في الجامعة وكذا رسم الإستراتيجيات المستقبلية لإيجاد جامعة متميزة وفاعلة في المجتمع المحلي، فلمعالي المدير المكلف ولمن هم على شاكلته من كل وطني مخلص.. من أمير وأهالي المنطقة التي تحتضن الجامعة.. من رجال التربية والتعليم الجامعي.. من منسوبي الجامعة وطلابها باقة شكر وتقدير نظير ما قدم هو ومن معه من العاملين المخلصين الأوفياء من أعمال مباركة ستبقى شاهدة على إخلاصه وحرصه على إنجاز الأعمال التي تسند إليه من قبل ولي الأمر في أي جزء من أجزاء وطننا الغالي بكل إخلاص وإتقان وتفانٍ، وفي المقابل هناك من أعتقد أن دوره تشريفي ومهمته لا تعدو أن تكون حضور المناسبات الرسمية والزيارات الدورية المتباعدة وإمساك زمام الأمور حتى تُستلم منه الوديعة كما كانت دون زيادة أو نقصان ولذا كان حريصاً على مضي فترة التكليف بسلام ولم يتحقق على يده ما يُتطلع إليه من إنجاز بل ربما كان ما مضى من سنوات عبئاً ثقيلاً على من استلم منه الوديعة هذه، وربما ربط معاليه هذا الكيان الجديد ببرامج ومناهج واستشارات هي بمثابة عبء مالي وتنظيمي ما زالت تعاني منه الجامعة بعد الاستقلال، ليس هذا فحسب بل إن بعض عقود الاستشارات التي ما زالت قائمة مجرد حبر على ورق وبمبلغ مالي وقدره.. ومثلها عدد من الدراسات المتخصصة... وليس في الوصاية هذه سوى نيل شرف الحصول على اسم الجامعة ذات الباع الطويل والتاريخ العريق المعروف في هذا التخصص أو ذاك، وبين هذين الحدين المتناقضين أطياف مختلفة وألوان متعددة يطول الحديث عنها، ما يهم هنا هو وإن انتهت تلك الفترة الزمنية الهامة إلا أن آثارها ما زالت قائمة وهي بحاجة إلى تقويم ودراسة وتقصي لمعرفة تبعاتها التي قد تعيق الخطط المستقبلية التي ينشدها ولي الأمر والقائمين على جامعاتنا الجديدة بل ويتطلع لها الكل أملاً في أن تكون هذه المؤسسات التعليمية استفادة من خبرات الجامعات السعودية السابقة على وجه العموم وانتهت فترة التأسيس بنجاح، والأمل كذلك كبير في أن تكون عقود الاستشارات المبرمة والدراسات المتخصصة ذات مردود إيجابي وفاعل على مسار العمل الميداني في الجامعات محل الحديث مثلها في ذلك الاتفاقيات الثنائية الخارجية والكراسي العلمية التي كثر الحديث عنها هذه الأيام كما أن هناك رجاء أنقله كما جاء ألا وهو تحقيق الاستقلال الفعلي في برامج القبول والتسجيل في الجامعة الجديدة (س) والشؤون الإدارية والمالية في جامعة جديدة أخرى وذلك لما لهذه الخطوات الإصلاحية من مردود إيجابي على مسار العمل الإداري والتنظيمي في هذا الكيانات العلمية الهامة، بارك الله في الجهود وسدد الخطى وأعان العاملين المخلصين الناشدين للكامل في كل مكان والله ولي التوفيق.