منذ توليه السلطة في الولايات المتحدة سنة (2001م) وعد الرئيس جورج دبليو بوش بإقامة دولة فلسطينية في سنة (2005م) تعيش بجانب إسرائيل إلا أن ذلك لم يتحقق ربما بسب الظروف التي مرت بها الولايات المتحدة مما جعل الرئيس بوش يعدل موعد إقامة الدولة الفلسطينية إلى سنة (2008م)،
ومع ذلك لا يوجد في الأفق ما يؤكد أن ذلك سيتحقق، فقد واجهت الإدارة الأمريكية الحالية التي تسلمت السلطة في نهاية شهر يناير سنة (2001م) الكثير من المصاعب التي ربما أشغلها عن التصدي لكثير من القضايا الداخلية، كما أدت إلى تذبذب وضع الاقتصاد الأمريكي وسعر الدولار.
ويأتي في مقدمة هذه المصاعب ما يلي:
* أحداث الحادي عشر من سبتمبر سنة (2001م) حيث وقع على الولايات المتحدة هجوماً إرهابياً على منشآت مهمة لديها.
* الحرب التي قامت بها الولايات المتحدة في أفغانستان على إثر أحداث سبتمبر والتي لا تزال الولايات المتحدة تعاني منها.
* قيام كوريا الشمالية بإجراء تجربة تفجير نووية مما أقلق الولايات المتحدة خوفاً على حليفتيها اليابان وكوريا الجنوبية وعلى السلم العالمي.
* إنشاء إيران لمفاعل نووي ودخولها مرحلة تخصيب اليورانيوم وهو أمر أزعج الولايات المتحدة خوفاً على مصالحها وعلى حليفتها إسرائيل وعلى استقرار المنطقة.
* الحرب على العراق التي قادتها الولايات المتحدة سنة (2003م) بدعوى حيازته لسلاح الدمار الشامل وتبين بعد ذلك عدم صحة ذلك.
ولا تزال الولايات المتحدة تعاني من هذه الحرب التي لم يتبن بعد من نفقها المظلم ضوء يساعد للخروج منها، فقد فقدت الولايات المتحدة ما يزيد عن أربعة آلاف من جنودها فضلاً عن الخسائر في الآليات والتكلفة المادية للحرب التي تجاوزت ستمائة مليار دولار، ومع ذلك فإن العراق لا يزال يعاني من الفوضى وعدم الاستقرار ونقص الخدمات بل إنه فقد الآلاف من مواطنيه ربما يفوق ما هو موجود في المقابر الجماعية لصدام حسين، كما أن لهذه الحرب جانباً معنوياً سلبياً على الولايات المتحدة يتمثل في اهتزاز صورتها وسمعتها أمام الكثير من مواطنيها وأمام دول العالم ومن أمثلة ذلك ما يلي:
أ - الاحتجاجات على الحرب داخل الولايات المتحدة عبر المظاهرات التي تشاهد من حين لآخر والتي حصل بعض منها أمام البيت الأبيض.
ب - الاحتجاجات على الحرب خارج الولايات المتحدة ومنها المظاهرات التي يستقبل بها بعض أعضاء الإدارة الأمريكية في بعض الدول.
ج - فوز الديمقراطيين في الولايات المتحدة وحصولهم على الأغلبية في الكونجرس بسبب الحرب في العراق.
د - تقدم مرشحي الحزب الديمقراطي للرئاسة الأمريكية (باراك أوباما وهيلاري كلينتون) في استطلاعات الرأي العام على مرشح الحزب الجمهوري (جون ماكين) وذلك بسبب الحرب في العراق، وقد يفوز أحدهما في الانتخابات القادمة.
هـ - التراجع الذي يحصل في الاقتصاد الأمريكي وسعر الدولار من حين لآخر والذي كان لهما تأثير أيضاً على الاقتصاد العالمي والعملات المرتبطة بالدولار.
و - إلقاء الحرب في العراق بظلالها على العملية السلمية في الشرق الأوسط، فبعد أن كان النزاع العربي الإسرائيلي وحل القضية الفلسطينية على وشك الحصول في نهاية حكم الرئيس الأمريكي السابق (بيل كلينتون) فإن الإدارة الجمهورية التي تسلمت السلطة بعده لم تجعل حل النزاع في الشرق الأوسط من أولوياتها خاصة بعد أن وقعت أحداث سبتمبر ثم حربا أفغانستان والعراق مما أصاب العملية السلمية بين العرب وإسرائيل بالجمود لفترة ليست قصيرة ولم تخرج من هذا الجمود إلا بعد زيارة الرئيس الأمريكي (جورج دبليو بوش) لمنطقة الشرق الأوسط في يناير من سنة (2008م) الحالية فقد أكد الرئيس بوش في هذه الزيارة على ضرورة قيام الدولة الفلسطينية في هذه السنة وقبل نهاية فترة حكمه في العشرين من يناير القادم وعلى ضوء هذا التأكيد من الرئيس بوش دخل الفلسطينيون والإسرائيليون في مباحثات مشتركة أملاً في الوصول إلى اتفاق حول المبادئ التي تحكم الدولة الفلسطينية المنتظرة.
ويعتقد كثير من المراقبين أن الأمر إذا ترك لإسرائيل كطرف وحيد مع الفلسطينيين فقد يصعب الوصول إلى صيغة مناسبة للدولة الفلسطينية ذلك أن إسرائيل لو كانت تريد مثل هذه الدولة تعيش إلى جانبها لانسحبت من الأراضي الفلسطينية المحتلة سنة (1967م) منذ زمن بعيد بحكم المنطق وإرادة المجتمع الدولي ولذلك فإنه لكي يتحقق وعد الرئيس بوش بإقامة الدولة الفلسطينية، فإن على الولايات المتحدة أن تتدخل وبقوة وأن ترغم إسرائيل على التفاعل على مبدأ إقامة الدولة الفلسطينية وبالتالي الانسحاب من جميع الأراضي المحتلة سنة (1967م) بما فيها مدينة القدس الشرقية وهو أمر يتفق مع المبادرة العربية للسلام التي سبق أن طرحها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود حفظه الله والتي تبناها العرب في قمة بيروت سنة (2003م).
إن الولايات المتحدة قادرة على أن تقوم بذلك وأن تفرض رأيها على إسرائيل كما فعلت أيام حرب تحرير الكويت، فقد قصف صدام إسرائيل بالصواريخ عدة مرات ولم ترد إسرائيل ولو بطلقة واحدة على ذلك استجابة لمطلب الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت لا تريد إقحام إسرائيل في تلك الحرب لأنه سيؤدي إلى توسيع دائرتها وبالتالي التأثير على الهدف من الحرب وهو تحرير الكويت.
إن الولايات المتحدة إذا تصرفت بذلك وأصبحت طرفاً في المفاوضات بل وتقوم بإلزام إسرائيل بقبول مبدأ الدولة الفلسطينية ونقل المستوطنات إلى داخل إسرائيل والانسحاب من الضفة الغربية وقطاع غزة أن تطلب الأمر ذلك وبالتالي إقامة الدولة الفلسطينية فإن الرئيس بوش يكون قد حقق إنجازاً تاريخياً كبيراً وسوف يؤدي هذا الإنجاز إلى تحسين صورة الإدارة الأمريكية بين مواطنيها وصورة الولايات المتحدة أمام العالم وبالذات الدول العربية والإسلامية فهذا هو الخيار الوحيد أمام الولايات المتحدة لتحقيق هذا الهدف إضافة إلى أنه سيؤدي للتقليل من سلبيات الحرب في العراق على الإدارة الأمريكية، ولعل الرئيس الأمريكي في زيارته لإسرائيل خلال هذا الشهر - حيث أكتب هذا المقال قبل بدء الزيارة - يتمكن من الوصول مع إسرائيل إلى اتفاق على إقامة الدولة الفلسطينية واقعاً وليس بالكلام.
فاكس (4032285)
Ausnaidi@mcs.gov.sa